ختمت مداخلتي في الجلسة الحوارية "معرض الكتاب في الميزان" التي أقيمت في جمعية الخريجين العام الفائت بجملة: "كنا نسير بشكل جيد لكننا انحرفنا عن الطريق الصحيح"، بعد نهاية الجلسة سألني أحد الحضور: هل كنت تقصد حال الثقافة فقط أم هي حالة عامة؟ وجوابي له باختصار: "هو مشهد كامل لأن مشروعنا النهضوي لم يكن قائما على قطاع بعينه". في اعتقادي أن تسليط الضوء على بقعة واحدة يلخص حجم التراجع الذي نعيشه، وقد اخترت جامعة الكويت كونها رافعة مهمة في مشروع نهضة الكويت الشاملة، واستبعدت الحديث عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أو مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية لأن الضرب في الميت حرام.  لقد عاشت جامعة الكويت عصرين: الأول عاصره الجيل المحظوظ، والعصر الثاني عاصره جيلي أو جيل "المقاريد"، ولا أعلم إن جاء بعدي عصر ثالث أو رابع!! العصر الأول فيه الكثير من الإجابات السهلة للأسئلة المعقدة التي نطرحها اليوم لكيفية النهوض بالجامعة من ناحية مستواها العلمي ووظيفتها في المجتمع. معادلة النجاح كانت بسيطة: وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وتمويل سخي، وجذب عقول العلم والاستنارة، وتوفير بيئة عمل مناسبة، والبعد عن التسييس، وبناء عليه لم يكن من المستغرب أن يكون أول رئيسين لجامعة الكويت من مصر الشقيقة لأن الكويت المنفتحة آنذاك لا تتوانى عن الاستعانة بما تحتاجه من الخبرات ووضعها في مراكز القيادة العليا. داخل ذلك العالم الأكبر، وهو الجامعة، عالم أصغر يلخص تميزها العلمي، وهو قسم الفلسفة، درة أقسام جامعة الكويت، نقول ذلك لأنه نجح في اجتذاب الفيلسوف العربي عبدالرحمن بدوي الذي أنتج عقله أكثر من مئة وخمسين إصداراً، والدكتور فؤاد زكريا أحد أعمدة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والدكتور زكي نجيب محفوظ صاحب الفضل في تفكيك أعقد المسائل الفلسفية وجعلها في مدار تفكير القارئ العادي، وأخيرا وليس آخرا تلميذ محفوظ وهو الدكتور إمام عبدالفتاح إمام الذي برع في مجال الترجمة للفلسفة والعلوم الإنسانية، تلك النخبة من العلماء درّست أحمد الربعي الذي عاد لقسمه من جديد كأستاذ فلسفة، ودرّست تلميذ الفلسفة في الثمانينيات وأستاذها اليوم عبدالله الجسمي والقائمة تطول وتطول. جيل "المقاريد" لحق على أول بدايات التراجع وانتعاش ظاهرة الدكتور "المضروب" الذي يحمل شهادة ولا يحمل علما أو فكرا، وقبل التخرج عام 1995 بدأت أسمع عن الأستاذ الذي يشتري شهادة وصار علينا "أرسطو"، لحسن الحظ أنه يوجد في كل كلية قسم مميز، وفي كل قسم توجد لمحة من أستاذ "مجتهد"، ووفقت بأن تخصصي المساند هو علوم سياسية، إذ درست على أيدي نخبة ممن تلقوا العلم في أرقى الجامعات الغربية، منهم الأستاذ الذي بات صديقا وهو عبدالله الشايجي، والأستاذ الذي تحول إلى أخ كبير هو المرحوم أحمد البغدادي، والأستاذ حسن جوهر (برلماني)، كما تعرفت بحكم نشاطي الطلابي والصحافي على كل من غانم النجار وفلاح المديرس وشملان العيسى ومعصومة المبارك وحامد العبدالله، وندمت على أن تخصصي المساند لم يسعفني للدراسة لديهم، أو لا أدري ربما هي رحمة من السماء، ولكن علاقتي مع جلهم متواصلة- وأخص بذلك النجار والمديرس- أو متوقفة عند حد الذكريات الجميلة التي لا تنسى مثل عشقي وحامد العبدالله لكنافة الطيباوي التي تجمع تحت مظلتها كل بروليتاريا بني نفط. في الختام لو لم نكن نعرف طريق النهضة لقلت "معلش"، ولكننا نعرف وانحرفنا مع سبق الإصرار والترصد.
Ad