بما أن الدول من صنع البشر، فإنها تحمل كل الصفات الموجودة فيهم، من كره وحب وبغض وحلم وحقد وصدق ورحمة، لا تختلف عنهم في شيء، فكما يوجد إنسان صالح وإنسان فاجر توجد كذلك دولة فاجرة ودولة صالحة، وكما يوجد من الناس من يحترم القوانين ويمشي على صراط مستقيم، وآخر يتحداها ويتمرد عليها كذلك الحال بالنسبة للدول، ثمة دول تصون كرامة الإنسان وترعى حقوقه وتدافع عنها كالدول الغربية، وثمة أخرى تدوس على هذه الحقوق وتنتقص منها وتهدرها كبعض الدول الإسلامية والعربية! ثمة فروق جوهرية بين الدول والأنظمة من حيث الأعمال والصفات كما بين بني البشر، لا يمكن أن تصنف كلها في خانة واحدة، فهنالك دول تشتهر بالطيبة وحب الخير وأخرى دائمة الانشغال بتدبير الحروب وإيذاء الآخرين، وهناك من تتصف باللؤم والدناءة وأخرى بالسذاجة والثالثة بالغدر والخبث... فهل يمكن مقارنة دولة مثل السويد أو هولندا مثلاً بالصومال أو السودان من الناحية الإنسانية على الأقل. ثمة دول يجب أن تكافأ وأخرى يجب أن تعاقب وتوضع تحت الوصاية الدولية كما كانت الحال مع ألمانيا أيام الحكم النازي، وكما هي الحال الآن مع العراق فيما يتعلق بالبند السابع الذي يحاول جاهداً أن يتخلص من تبعاته الثقيلة، ولكن من دون أن يقدم أي دليل ملموس يثبت أنه استقام وأصبح صالحاً للتعايش مع نفسه ومع الآخرين! وعندما نتحدث عن العراق يجب أن نشير إلى ميزة أخرى متأصلة فيه وملازمة له في معظم أدواره التاريخية غير التحرش بالجيران والمقابر الجماعية وإثارة الحروب وغيرها، وهي: "الغدر"... ولم يأتِ هذا الادعاء اعتباطاً، بل استُشف من العديد من التجارب التاريخية القديمة منها والحديثة، قد تأتي تجربة "الامام الحسين" المريرة في المقدمة. ولا تختلف طريقة غزو الكويت كثيراً عن تلك التي تم بها قتل "الحسين" من حيث الخداع والطعن في الظهر ومقابلة الإحسان بالإساءة، كلتا الصورتين أظهرت للعالم مدى وحشية الإنسان عندما يغدر. ولم يكن يخطر في ذهن الزعيم عبدالكريم قاسم أن الشعب "الوفي" الذي وثق به ثقة عمياء يخذله ويتركه ليلقى حتفه بالطريقة الشنيعة على يد عبدالسلام عارف وشلته البعثية الفاسدة... وكذلك الأمر بالنسبة للقائد الكردي ملا مصطفى البارزاني، فلم تمر سنة على توقيع العراقيين لاتفاقية 11 مارس عام 1970 معه حتى دبروا له خلسة مؤامرة لاغتياله... وقمة الغدر والدناءة تجسدت في عملية "الأنفال" السيئة الصيت التي تم فيها جمع 182 ألف كردي بين طفل وامرأة وشيخ كبير وجرى تصفيتهم بدم بارد من قبل نظام صدام حسين وقواته بعد أن طمأنوهم على حياتهم ووعدوهم خيراً... ومازال "الحبل على الجرار"، ولا أحد يدري ما يخبئه نظام العراق للعالم من مفاجآت "غادرة"... ومن يعش ير!
* كاتب عراقي
مقالات
أنظمة شيمتها الغدر
23-06-2012