سلطة العقل على الجسد... سلاحكم الشخصي

نشر في 30-06-2012 | 00:01
آخر تحديث 30-06-2012 | 00:01
No Image Caption
تمامًا كما وضح لنا اكتشاف الجسيمات الكمية الظواهر المادية التي لطالما اعتبرت مبهمة، يمكن لإدراك التفاعلات الجسدية العقلية أن يفسر كيف أن بعض الأشخاص الذين دانهم العلم الغربي يجدون الموارد الضرورية للشفاء، بفضل إرادتهم فحسب على ما يبدو. أصبحنا نعرف أن فكرنا يؤثر على جسدنا ليس بطريقة سطحية بل على مستوى أعمق. إليكم التوضيحات.

من منا لم يسمع عن ظواهر غريبة، عن أشخاص يتمتعون بقدرات جسدية وعقلية خارقة أصبحت أكبر بعشرة أضعاف من جراء الخطر، عن شفاءات فورية لأمراض يقال إنها غير قابلة للشفاء؟ بالنسبة إلى الاختصاصيين في القسم الكمي فإنهم ينظرون إلى تلك الظواهر على أنها تبيان للهبة المتأصلة في الطبيعة البشرية والتي ظهرت على مر العصور.

تأثير الدواء الوهمي

لنبدأ بالحديث عن «تأثير الدواء الوهمي» الشهير. ليس بخديعة بل حقيقة، فهو يقدم نتائج مفيدة للمريض الذي يعتقد أنه يتلقى علاجًا فعليًا، في حين أنه لا يتناول سوى دواء وهمي. يعود تاريخ أول استعمال لعلاج خال من المواد الفاعلة إلى 1500 سنة قبل الميلاد. في 1628، تمَّ تعريف مفهوم الدواء الوهمي لوصف منافع الثقة التي يضعها المريض في معالجه، وأصبح الدواء الوهمي يعني: «دواء موصوف لاستمالة المريض أكثر منه لإفادته». لكن لم يبدأ الطب باستعمال الدواء الوهمي لأهداف علاجية سوى مع الطبيب أرماند تروسو.

يوضح تأثير الدواء الوهمي بشكل بارع تأثير العقل على الجسم. وعلى رغم الدراسات التي أجريت على مر السنوات، لم نتمكن من معرفة مصدره المحدد. نعرف فحسب أن كثيرة هي العوامل التي تؤثر على نوعية المفعول، كطريقة التناول (عن طريق الفم أو الحقن...)، وسعر المنتج، وباثولوجيا المريض، إلخ. لكننا ما زلنا نجهل المسبب وراء تأثير الدواء الوهمي.

هل يمكننا أن نشفى من خلال العقل؟ لا يختلف الشفاء العقلي عن التنويم المغناطيسي الذاتي. فالأخير يتطلب فحصًا معمقًا لأنه في الأساس نوع من الإغماء التخشبي المصطنع. كل من يخضع له ينقطع عن تصوراته الخارجية الخاصة ولا يرى سوى وفقًا للأسس التي يقدمها له المعالج.

يستخدم مؤيدو الشفاء العقلي بعض المفاهيم والأفكار التجريدية التي تخرج العقل من الجسد حتى لو كنا نعتقد عمومًا أن الفكر هو الذي يحقق الشفاء. إلا أن طبيعة الفكر وعلاقاته تختلف مع اختلاف معرفة المفكر واللجوء إلى صيغة جاهزة لا يعني الامتناع عن استخدام الفكر بتاتًا. يعتقد البعض أن الأمراض تنتج من مجرد التفكير فيها وأن الوسيلة الوحيدة للتخلص منها هو التفكير في غير المرض. بالطبع هذه ليست سوى إحدى الصيغ.

انسجام

تكمن الوسيلة الوحيدة لإنشاء صلة صحيحة وانسجام بين شؤون حياتنا في فهم طبيعتنا الحقيقية والعمل على أساسها، والهدف من ذلك هو التمكن من التحكم في الجسد والفكر والتخلص من الأمراض كافة التي تصيب الفرد والجماعة، إن عن طريق الأوبئة أو الآلام المتقطعة. في الواقع، الإنسان هو مسبب هذه الأمراض كلها، على نطاق فردي أو جماعي؛ حتى الكوارث الطبيعية تنتج من الفهم الخاطئ لطبيعة الإنسان الحقيقية، فضلاً عن أفكاره وأعماله الخاطئة.

التأمل والاسترخاء والتركيز والإيحاء الذاتي... كلها تقنيات تساعدنا على التحكم بهذه القدرة الخيالية التي تسمى عادة: التنويم المغناطيسي الذاتي. أما العامل الآخر والأهم فهو فاعلية تحكمنا بالطاقة لهدف محدد وهو التمكن من البقاء بصحة جيدة أو الشفاء من المرض.

3 طرق عقلية

قوة التفكير الإيجابي على المرض والأمور غير الإيجابية في حياتنا أمر مفروغ منه وأثبتت تقنيات كثيرة أنه يمكنها السماح لبعض الأشخاص، ليس الشفاء فحسب، بل التحسن وحتى الحد من تطور المرض.

كثيرة هي التقنيات العقلية والنفسية- الجسدية التي تسمح بتطوير قدرة العقل على الجسد. إليكم ثلاث طرق أثبتت فاعليتها في مجال التكييف العقلي والهدوء.

1- الإيحاء الذاتي الواعي أو التنويم المغناطيسي الذاتي

الإيحاء الذاتي الواعي هو طريقة تطوير شخصية معروفة بفاعليتها ومجانيتها وتوافرها للجميع، تتكيف مع مواضيع التطوير الشخصي كافة والصحة و{تحسين العيش في مؤسسة» وتساعد على تطوير الذات والتحسن على الصعيد الجسدي والنفسي على حد سواء.

يجب ألا يرتكز الإيحاء على تكرار صيغ لا معنى لها، بل يجب أن تحمل معنى وحقيقة لمن يلجأ إليها. كذلك ينبغي أن تكون الحقيقة ممكنة وليست رغبة واهية. عندما تمارسون الإيحاء الذاتي وتراودكم الأفكار السيئة، لا تقمعوها بل فكروا على ماذا ترتكز لتكون بهذه الإيجابية. هل تحمل خصائص تودون التوصل إليها؟ ثم تابعوا التمرين إلى أن تتوصلوا إلى الحقيقة. في الواقع، الإيحاء الذاتي وسيلة قادرة على تحفيز الأفكار الإيجابية لديكم. فتمرنوا بشكل منتظم وستتوصلون إلى النتيجة المرجوة بالتأكيد.

2- التأمل

التأمل ممارسة تساعد على التطوير الذاتي والروحي تم اللجوء إليها منذ قرون خلت في الشرق والشرق الأقصى. فيمكن ملاحظة جذورها في المعابد البوذية في التبت والصين.

ممارسة التأمل بانتظام تعطيك القدرة التدريجية على النظر من بعيد إلى نفسك وإلى أحداث حياتك. بالتالي، استعمال قدراتك العقلية في ظروف حياتك اليومية بشكل أفضل وتحسين قدرتك على الحكم على الأشياء والحفظ والتركيز على حد سواء. على صعيد آخر، من خلال التأمل، ستعود العواطف المكبوتة في اللاوعي كافة إلى الظهور تدريجًا ثم تختفي. فتنتج من ذلك إعادة إحياء لك ولأفكارك وإعادة برمجة كاملة لمخططاتك العقلية والعاطفية والاجتماعية.

3- البرمجة اللغوية العصبية

يقوم مبدأ البرمجة اللغوية العصبية على أن سلوك المرء يستند بشكل أساسي إلى تراكم المعتقدات الثابتة جدًا، وهذه تركيبة عقلية تطورت على مر السنوات. على رغم وجود معتقدات ذات قيمة كبيرة، تقود معتقدات أخرى من دون شك إلى الفشل في الميادين كافة، إذ إنها تعيق المرء عن إثبات إمكاناته.

تعلمنا البرمجة العصبية اللغوية أن نشاط القدرات العقلية يمكن التحكم به حتى لو لم يمكن هذا التحكم كاملاً. يساعد ذلك على توجيه الحياة بطريقة واعية وبالتالي تجنب الفشل، خصوصاً المتكرر. يمكننا إذًا أن نتغير، لكن يلزمنا فحسب تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى الأحداث، أن نغير تصوراتنا الداخلية لها وأن ننظر إليها بإيجابية. ستؤدي هذه النظرة الإيجابية بدورها إلى تحديد النتائج.

في النهاية، لا تنسوا أن الطبقات الأعمق في اللاوعي في غاية الحساسية إلى أيحاءات الإرادة الواعية، خصوصاً عندما تكون هذه الإيحاءات معززة بقوة اللاوعي الهائلة وتستطيع أن تمارس تأثيرًا هائلاً على الشخصية.

الإيحاء الذاتي يساعد على تحسين الصحة وتطوير المزايا والقدرات وتغيير السلوك. باختصار، تأثير الإيحاء الذاتي على حياتكم وسعادتكم مجرد أمر استثنائي.

نصائح

لتعزيز قدرة العقل على مقاومة المرض والأوجاع ومصاعب الحياة الكثيرة، اعتمدوا النصائح التالية:

- إنسوا أنكم تشعرون بالوجع وابدأوا بالتركيز على أمور يمكنكم التحكم فيها: لا يمكنكم تبديل الأوضاع كافة كالآلام مثلاً. إلا أنكم تستطيعون تغيير بعض التفاصيل. لا تبددوا وقتكم، مهاراتكم، وطاقتكم على أمور لا تتحكمون فيها. فلن تجنوا من ذلك سوى الاستياء، البؤس، والخمول. استثمروا طاقتكم في أمور تتحكمون فيها واسعوا جاهدين إلى تبديلها.

- ابدأوا بالتركيز على الاحتمالات الإيجابية: يجب أن يصدق العقل أنه يستطيع القيام بأمر ما قبل أن ينجح في تحقيقه. لعل الطريقة الفضلى للقضاء على الأفكار السلبية والمشاعر المدمرة تنمية مشاعر وأفكار إيجابية معاكسة تكون أقوى أكثر رسوخاً. ركزوا على ما تقولونه واستبدلوا الأفكار السلبية بأخرى إيجابية. وبغض النظر عن الوضع الذي تمرون به، صبوا اهتمامكم كله على ما تريدون أن يحدث، ثم اتخذوا خطوات إيجابية. لا يمكنكم التحكم في تفاصيل الحياة، غير أنكم تستطيعون التحكم في ردود فعلكم تجاهها. لحياة كل منا أوجه إيجابية وأخرى سلبية. وتتوقف سعادتكم ونجاحكم على أي من هذه الأوجه تركزون.

- ابدأوا بالتركيز على الغنى الذي تتمتعون به راهناً والصحة التي كنتم تحظون بها: قال الكاتب الأميركي هنري ديفيد ثورو ذات مرة: «الغنى هو القدرة على التمتع كاملاً بالحياة». حتى في الأوقات العصيبة، من الضروري إبقاء الأمور في نصابها. فلم تأووا إلى الفراش أمس ومعدتكم خاوية، لم تناموا في العراء، اخترتم الثياب التي تودون ارتداءها صباحاً، لم تبذلوا جهداً يذكر طوال النهار، لم تشعروا بالخوف، تنعموا بمياه شرب نقية، تحظون برعاية طبية ممتازة، يمكنكم ولوج الإنترنت، وتجيدون القراءة. لذلك، قد يعتبركم البعض محظوظين.

- ابدأوا بالتنبه إلى معدلات التوتر والضغط التي تتعرضون لها وخذوا استراحات وجيزة: تنفسوا، خذوا قسطاً من الراحة، انسوا أنكم تشعرون بالوجع واستجمعوا قواكم وانطلقوا مجدداً بعد أن تتضح أمامكم الرؤية والهدف.

back to top