نتساءل دوماً عن استمرارية روح التجديد في التاريخ السياسي, وآلية إدارة الأزمات في الماضي، والتي كانت تتم لاحتواء الاختلافات والحرص على التوازن الإيجابي.

Ad

وبمناسبة الذكرى الخمسين على المصادقة على الدستور، نستذكر في مقالنا اليوم جزءاً من محاضر اجتماعات لجنة الدستور، ونقرؤها بشكل جديد، أو بالأحرى من محاور جديدة لنتلمس خطوط  ومعالم إدارة الخلافات والإصلاح السياسي.

التاريخ: 30 يونيو عام 1962

المناسبة: اجتماع لجنة الدستور

الجلسة: الخامسة عشرة

الحضور: عبداللطيف ثنيان الغانم  (رئيس المجلس وعضو لجنة) الشيخ سعد العبدلله السالم (وزير الداخلية – عضو لجنة) حمود الزيد الخالد (وزير العدل – عضو لجنة)

يعقوب يوسف الحميضي (عضو المجلس وأمين سر اللجنة)

 والخبير الدستوري للمجلس د. عثمان خليل عثمان وتولى السكرتارية أمين عام المجلس علي الرضوان.

موضوع النقاش: المادة 56 والخاصة بعدد الوزراء، وكان الخلاف حول عدد الوزراء نسبة إلى عدد أعضاء المجلس، فقال المرحوم حمود الزيد الخالد: "أنا أشبه وضعنا للدستور في هذا البلد بوضع سفينه تعبأ بالبضائع. لو كدسنا جميع البضائع في جزء من أجزاء السفينة سيختل توازنها وتغرق، أما إذا وزعنا البضاعة على جميع أجزاء السفينة، فإننا سنحافظ على توازنها وتسير. ووضعنا شبيه تماما بوضع السفينة، فيجب أن نوزع السلطات على جميع الهيئات الرئيسية بالدولة، بحيث لا تطغى إحداهما على الأخرى، ويجب أن نحفظ التوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وحتى لا تكون الثانية تكراراً للأولى".  

كان المرحوم حمود الزيد الخالد، وزير العدل، مؤيداً لتخفيض عدد الوزراء، واقترح زيادة عدد أعضاء المجلس إلى ستين عضواً لو زاد عدد الوزراء إلى عشرين, ومع ذلك تأتي مداخلته بعقلانية تخللتها أهمية وجود استراتيجية لحفظ التوازن الداخلي سواء في المجلس أو السلطات.

أما وزير الداخلية آنذاك الأمير الراحل الشيخ سعد العبدلله رحمه الله فحسب محاضر اللجنة أيد زيادة عدد الوزراء، وبرر موقفه باحتياط للطوارئ والتطورات, فأجاب الخبير الدستوري بأن التحديد خاص بعدد الوزراء وليس الوزارات, وقد يتولى الوزير أكثر من وزارة كما هو منصوص عليه في الدستور اللبناني، وعزز أهمية التمسك بالطابع الشعبي للمجلس.

وتدخل السيد يعقوب الحميضي مؤيداً تخفيض عدد الوزراء, داعياً إلى دمج وزارات بدلاً من زيادتها كالموانئ والجمارك والبريد والبرق والهاتف، واستمر رئيس اللجنة ملتزماً بحياديته.

فانتهى الأمر بعرض الخبير الدستوري أربعة سيناريوهات تتضمن  عدد الوزراء نسبة إلى أعضاء المجلس رغبة في الوصول إلى التوازن.

مما سبق يتبين لنا أن اختلاف آراء أعضاء اللجنة بين التمسك بالشعبية والتمسك بالسلطة والاحتكام للقانون، والنظر إلى دساتير أخرى لم يسفر عن انشقاق، إنما سار في طريق التوازن والاتفاق، فتم الاستقرار على الثلث بعد تحديد أعضاء المجلس بخمسين عضواً، تضمنتها مادة 56 "... ولا يزيد عدد الوزراء جميعا على ثلث أعضاء مجلس الأمة". وتم الانتقال إلى المواد الأخرى بنفس إيجابي وإصلاحي.

وما سبق أخي القارئ كان جزءاً صغيراً وعملياً من تاريخنا السياسي، يبين مرونة صناعة القرار عندما يأتي بمزيج من الحكمة والمواطنة والرغبة في الإنجاز، ولنا في مقالات قادمة أمثلة أخرى من لجنة الدستور والمجلس التأسيسي.

كلمة أخيرة:  كانت احتفالية الدستور هذا العام رائعة وجميلة، توّجها الاستعراض المميز للألعاب النارية.

وكلمة أخرى:  من طرائف "تويتر" علق أحدهم على تكلفة الألعاب النارية المبالغ بها, فرد عليه مغرد آخر قائلاً إن تهاونكم في الدوام واستمرارية أعذاركم الطبية تكلفتها علينا أكثر من الألعاب النارية.