مشكلة العرب والمسلمين أيضاً مع باراك أوباما أنهم لا يتوقعون منه أن يكون رئيساً أميركياً كباقي الرؤساء الأميركيين يضع مصلحة الولايات المتحدة فوق كل المصالح، فالمعروف أن أميركا منذ نحو منتصف ستينيات القرن الماضي قد وضعت إسرائيل، ظالمة ومظلومة، على رأس مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ولهذا أسباب كثيرة معروفة امتلأت بها صفحات الصحف العربية سابقاً ولاحقاً، لا ضرورة للحديث عنها والإشارة إليها الآن.

Ad

قبل أن نلقي بـ"عتبنا" على أكتاف أوباما، بسبب لونه القهوائي وأصوله الإسلامية- الكينية لجهة والده، علينا أن ننظر إلى أنفسنا أولاً وإلى كيفية تعاملنا مع الولايات المتحدة وإلى الطريقة التي نتعامل بها مع المصالح الأميركية الحيوية والاستراتيجية في هذه المنطقة، وأيضاً إلى الأسلوب الذي نقدم به قضايانا، وفي مقدمتها قضية فلسطين، إلى المواطن الأميركي والناخب الأميركي.

إنَّ العلاقات بين الشعوب وبين الأمم وبين الدول أيضاً تحكمها المصالح وليس العواطف، والمعروف أن الإسرائيليين قد قدَّموا أنفسهم إلى الغرب وإلى الأميركيين، على وجه التحديد، على أن وجود الدولة الإسرائيلية القوية والمقتدرة والمتفوقة على العرب جميعهم، ودائماً وباستمرار، ليس مجرد حكاية وعدٍ إلهيٍّ! وإنما كخندق متقدم وكمخفر أمامي يحميان المصالح الغربية والأميركية المهددة بالزحف الشيوعي حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي.

والآن وبعد زوال هذا الخطر في بدايات تسعينيات القرن الماضي بانهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية فإن الإسرائيليين قد انتقلوا إلى إشعار الأميركيين والغربيين بأن "وظيفتهم" السابقة لا تزال مستمرة، وأن التحول الزاحف لهذه المنطقة نحو الأصولية والعنف والإرهاب، وخصوصاً بوجود إيران التي تحاول فرض نفسها، إن هي أصبحت دولة نووية أم لا، كرقم رئيسي في المنطقة الشرق أوسطية، يقتضي أن تكون إسرائيل قوية ومقتدرة عسكرياً وسياسياً وعلى كل صعيد.

ثم وبينما العرب والمسلمون في الولايات المتحدة لا تأثير لهم إطلاقاً في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تتكرر كل أربعة أعوام والتي آخرها هذه الانتخابات الأخيرة التي انتصر فيها باراك أوباما انتصاراً تاريخياً كاسحاً، فإن الإسرائيليين من خلال الجالية اليهودية النشيطة والمتفوقة بقوا ودائماً يشعرون كل رئيس أميركي فائز بأنهم وراء فوزه، وأنه سيبقى بحاجتهم خلال سنوات حكْمه سواء داخل أميركا أو خارجها! وهذا لا يزال العرب غير قادرين على تغييره رغم تطورهم الذي لا يستطيع أيٌّ كان إنكاره في العقود الثلاثة الأخيرة، ورغم أنهم لو استطاعوا التعامل مع أموالهم بطرق عقلانية لغدوا قوة اقتصادية عالمية هائلة قادرة على فرض نفسها وفرض قضاياها على المعادلة الدولية، ولذلك فإنه يجب عدم توقع أي شيء غير عادي من هذا الرئيس الأميركي تجاه القضية الفلسطينية.

سيحاول باراك أوباما تحسين صورة أميركا، التي تشوهت كثيراً سواء في فترة حكم الجمهوريين أو خلال سنوات حكمه الأربع الماضية، لدى المسلمين ولدى العرب وسيحاول التعاطي مع القضية الفلسطينية بالمزيد من الجدية، لكن وفي كل الأحوال فإن علينا ألا نتوقع أن تبادر الولايات المتحدة إلى التخلي عن إسرائيل كحليف استراتيجي لها في هذه المنطقة التي بدأت تتغير في اتجاهٍ أكثر أصولية وأكثر راديكالية وبدأت تتخذ مسارات، إنْ لم تكن  إرهابية فإنها على الأقل غارقة في الشمولية وفي رفض قبول الآخرين ورفض مبدأ التداول على السلطة والديمقراطية والحريات العامة.