ها نحن اليوم نجد كيف أن الإدارة الوسطى، والتي هي المحرك الفعلي لثمانين في المئة من كل أعمال أي مؤسسة أو إدارة حكومية، أصبحت غير متشجعة، بل غير راغبة وعازفة عن عمل أي شيء على سبيل الإصلاح والتطوير لفقدانها الثقة بالإدارة السياسية العليا، ولإحساسها بأنه لم تعد هناك من فائدة ترجى، وهذه هي المشكلة الأكبر من كل ما سبق!

Ad

أدى الخلل والاعتلال "الفاقع اللون" الذي يعانيه نظامنا السياسي اليوم، وذلك باعتراف أعلى المسؤولين في الدولة، إلى نشوء خلل واعتلال إداري حاد في أغلبية المؤسسات الرسمية للدولة، ومع مرور الوقت واستمرار وازدياد هذا الخلل والفساد السياسي ازدادت، وبالتبعية، الحالة الإدارية سوءا، فأصبحت كل مظاهر الخلل الإداري أكثر وضوحاً، من فساد وهدر ماليين ووساطة ومحاباة وترهل وظيفي وبطالة مقنعة وغير مقنعة وبيروقراطية متحجرة وعدم تطوير للنظم واجترار للنظم المتخلفة، وغير ذلك من الإشكاليات التي يعرفها الجميع، ليتحول المرض الإداري من مرض حاد إلى مرض حاد ومزمن عسير العلاج في الوقت ذاته! هذا الارتباط الوثيق ما بين الخلل والفساد السياسي من جانب، والخلل والفساد الإداري من جانب آخر، راجع لسببين، الأول مباشر والثاني غير مباشر. السبب المباشر، هو أن السلطة السياسية ومن خلال أسلوب التعيينات العابثة والذي مارسته لسنوات طويلة لحساباتها السياسية المعروفة، قد أوصلت الكثير ممن لا يستحقون الوصول إلى مناصب إدارية عالية ومهمة، مما أدى إلى فشل وفساد الإدارات التي صارت تحت أيدي هؤلاء، وأيضاً ومن خلال انعدام نظم الرقابة الحقيقية المخلصة، وفساد النظام المتبع في الحكومة لتقييم أداء الموظفين، ومن ثم مكافأة الموظف المنتج والمخلص، ومحاسبة المقصر والمتلاعب، أقول من خلال هذا كله، انتكست الحالة واستمرت الأحوال الإدارية في الانحدار إلى الحضيض من دون أن يوقفها أحد! أما السبب غير المباشر، وهو الأخطر، وذلك لكونه أصاب ثقافة المجتمع الكويتي في قلبها فمسخها، هو أن الخلل والفساد السياسي وانعدام الرقابة والمتابعة، وفساد نظم التقييم والمكافأة والمحاسبة، أدى مع مرور الوقت إلى خلق جيل كويتي غير شاعر بالمسؤولية بل غير مبال على الإطلاق، فانتشرت في أوساط المجتمع روح التنفع الشخصي والفئوي، على حساب العمل لأجل الوطن والمصلحة العامة، بل إن الأمور تجاوزت ذلك فأصبحت أكثر سوءاً، إذ إن الكوادر المخلصة والنشطة، أصيبت بالإحباط وعدم الرغبة في العمل الجاد وهي تشاهد أن النظام الإداري والمسؤولين عنه لا يفرقون بين من يعمل ومن لا يعمل، ولا يميزون بين الصالح والطالح، وأن الترقيات والامتيازات في العمل لا علاقة لها بالأداء والإنتاج، وإنما هي ترتبط بالوساطة والمحاباة وحسابات أخرى بعيدة كل البعد عما هو مفترض. ولهذا فها نحن اليوم نجد كيف أن الإدارة الوسطى، والتي هي المحرك الفعلي لثمانين في المئة من كل أعمال أي مؤسسة أو إدارة حكومية، والتي تمتلك بطبيعة الحال الكثير من الوسائل والمفاتيح لتطوير الوضع الإداري، ولتصحيح الاختلال الرهيب الذي يضرب أطنابه في ساحات المؤسسات الحكومية، أقول نجدها كيف أصبحت غير متشجعة، بل غير راغبة وعازفة عن عمل أي شيء على سبيل الإصلاح والتطوير لفقدانها الثقة بالإدارة السياسية العليا، ولإحساسها بأنه لم تعد هناك من فائدة ترجى، وهذه هي المشكلة الأكبر من كل ما سبق!