إن علم الأحياء وعلم الاقتصاد يواجهان تحديات مماثلة: فكل من العلمين يسعى إلى تفسير البقاء والإبداع في عالم لا يمكن التنبؤ به. على سبيل المثال، اقترح نسيم طالب، الذي اشتهر بتحديده النافذ البصيرة لأحداث "البجعة السوداء" النادرة المرتبطة بالكوارث الاقتصادية، اقترح أخيراً فكرة "مضاد الهشاشة" كوسيلة لوضع تصور لاستنساخ الأسواق والناتج في مواجهة مثل هذه الأحداث. والواقع أن الهياكل والعمليات المضادة للهشاشة موجودة من حولنا في كل مكان، فتنتشر في الحياة ذاتها.

Ad

ولتعريف مضاد الهشاشة، يسأل طالب ماذا قد يكون العكس الحقيقي لكلمة "هش". وبداية من سيف ديموقليس، لم يختر كضد له قوة طائر العنقاء المنبعث من الرماد، بل إنه يختار إبداع هيدرا، التي ينمو لها رأسان كلما قُطِع أحد رؤوسها، ولكن هل نستطيع أن نفكر في كيانات لا تقاوم ويلات الزمن فحسب، بل إنها تصبح قادرة أيضاً من خلال خلق وإعادة تركيب مكونات جديدة على التأقلم مع المستقبل الذي لا يمكن التنبؤ به؟

قد تبدو حتمية الموت وكأنها تقترح أن الحياة ليست مبنية لكي تكون مضادة للهشاشة، ولكن هل تذكرون الملك ميتريدتس السادس من بونتوس، الذي كان يتناول جرعة يومية ضئيلة من السم لكي يحمي نفسه من التسمم على أيدي أعدائه؟ إن الفكرة القائلة بأن اللياقة تتحسن عندما تواجه الأنظمة تحدياً متمثلاً بمستويات متدنية من التأثيرات السامة أو غيرها من التأثيرات الخطيرة تكمن في صميم المناقشة المحتدمة حول ما إذا كان التعرض للإشعاع بمستويات منخفضة مفيداً للبشر وليس ضاراً لهم.

إن المشكلة تكمن في الافتقار إلى الأدلة القطعية على إمكانية اكتساب قدرة مماثلة لقدرة الملك ميتريدتس، فنحن نعرف أن ممارسة التمارين الرياضية على سبيل المثال كفيلة بتغيير قوة العضلات وكثافة العظام، ولكن هل هذا هو ما نبحث عنه عندما نسعى إلى الوصول إلى خلاصة مضاد الهشاشة؟

إن مضاد الهشاشة، كم يعرفه طالب، يبدو أقل إثارة للجدال من الناحية البيولوجية مقارنة بقدرة الملك ميتريدتس، والواقع أن مضاد الهشاشة يبدو كخاصية عامة لأنظمة متطورة، فهو لا يتوافق مع كائنات معزولة، بل مع مجموعات من الكائنات، وهنا نلاحظ في واقع الأمر سلوك أشبه بسلوك هيدرا في تطور الكائنات الحية: فعلى مدى الزمن، يستخدم الانتقاء الطبيعي الطفرات الوراثية بين مجموعات كاملة لتقسيم نسلها إلى نوعين متميزين أو أكثر.

إن الكائنات الحية مركبة دوما، فهي مصنوعة من عدد من جزيئات أو خلايا أو عناصر فردية ليست متطابقة، ولكنها متشابهة، وعندما نفكر في مضاد الهشاشة في الكائنات الحية، فإننا لا نتصور أن الهياكل المحددة للشيخوخة تتحسن عندما تواجه تحديات منخفضة المستوى، بل إننا نرى بدلاً من هذا عملية داخلية مشفرة وراثياً وتستخدم حوادث معتمدة على الزمن لجعل الكائن الحي ككل أفضل تكيفاً مع بيئته. وفي حين تستمر مكونات الكائن الحي في الشيخوخة، فإنها كمجموعة تتحسن مع الوقت، فتشكل مجموعة من المناسبات الفردية المحددة، قبل أن تعاني تحللا حتمياً في الشيخوخة.

وهذا يعني ضمناً أن الكائن الحي أثناء تقدمه في العمر يستخرج ويستخدم المعلومات من بيئته حتى يتسنى له أن يستجيب للتحديات غير المتوقعة التي تفرضها هذه البيئة. إن الحياة تقيس وتستظهر: فهي تستخدم مجموعة متنوعة ضمنية في مركباتها المتشابهة لتخزين ذاكرة الأحداث الماضية حتى يصبح من الممكن استخدامها للتفاعل مع أي حدث جديد.

إن الذاكرة الأساسية للصفات الموروثة لدى الكائن الحي لا تتألف من مكونات متطابقة، بل مما أطلق عليه عالم الفيزياء إروين شرودنغر في كتابه الشهير "ما هي الحياة" مسمى "الكريستالة اللادورية"، وهو المفهوم الذي سمح بنشأة البيولوجيا الجزيئية. والأهم من ذلك أن هذا المفهوم يعني ضمناً الافتقار إلى الهوية الدقيقة الدائمة: فالكائنات تتكاثر (فتبقي التماثل لنفسها) ولا تتكرر (فذريتها ليست نسخة طبق الأصل منها). وهذا يعني عدم وجود تصميم عام أكبر أو تسلسل هرمي فريد من نوعه، بل مجموعة من الكيانات الأصغر حجماً من تصميم مماثل تتعاون لتوليد السلوك الإجمالي للكائن الحي.

إن قسماً كبيراً من الذاكرة في دماغنا، على سبيل المثال، يتوزع بين عدد كبير من الوصلات بين العديد من الخلايا العصبية، وهذه الوصلات ليست متطابقة بين الأفراد المختلفين أو بين الذكريات المختلفة. وقبل أن يحدث الانحدار المأساوي الناتج عن الشيخوخة الحقيقية، تتحسن الطريقة التي تتطور بها هذه الوصلات بمرور الوقت: ربما تنحدر القدرة على جمع الذكريات الجديدة ببطء، ولكن الذاكرة ككل تتحسن. وهذه هي المفارقة فيما يطلق عليه العلماء "ميزة النمو في المرحلة الثابتة": عندما تضطر المستزرعات الميكروبية المسنة والشابة إلى المنافسة، فتفوز القديمة في المسابقة خلافاً للمتوقع حدسا.

ومن خلال السماح لبعض الكيانات الفردية بالبروز من الحشد، فإن مضاد الهشاشة يعمل على تحسين مصير المجموعة في ظل المواقف العصيبة. والواقع أن عدد الهياكل المرشحة للسلوك المضاد للهشاشة هائل، فالخلايا مصنوعة في الأساس من جزيئات كلية، ولا تتطابق هذه الجزيئات بشكل كامل أبداً حتى عندما تكون مشفرة بنفس الجين. والواقع أن عملية التركيب الحيوي للجزيئات الكلية مربوطة ببنية البيئة المحيطة. ولن نجد خليتين متطابقتين أبدا.

إن هذا التنوع الملحوظ، المنتشر داخل مغلف وراثي صلب يحد من نطاقه، يعمل على تأصيل الحياة في مضاد الهشاشة. وهي نقطة أساسية ينبغي لعلم البيولوجيا أن يستوعبها، وبينما يستجيب الاقتصاد العالمي للتحديات التي لا يمكن التنبؤ بها في الأزمات الاقتصادية وفي فترات التعافي، فإن خبراء الاقتصاد أيضاً لابد أن يضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم.

* أنطوان دانشين ، أستاذ فخري بكلية الطب في جامعة هونغ كونغ، ورئيس مؤسسة "ايه إم إيه بيوتكس ساس".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»