ما إن أبدت بعض المجاميع الشبابية ملاحظاتها وتحفظاتها على البيان الأخير لما يسمى "الأغلبية" حتى تقافز فرحاً بعض رعاة منظومة الفساد ومعارضي الإصلاح السياسي والديمقراطي؛ ظناً منهم أن هنالك انشقاقاً كبيراً في صفوف "جبهة" الإصلاح، سيؤدي، كما يتوهمون، إلى التراجع الفوري عن المطالب الشعبية المنادية بالإصلاح والتغيير الديمقراطي، غير مدركين أن الاختلافات حول الأمور التفصيلية تعد أمراً طبيعياً جداً حتى داخل الحزب السياسي الواحد، فما بالنا ونحن نتحدث عن "جبهة" سياسية ومطلبية واسعة غير منظمة تتصدرها، أو لنقل يحاول أن يتصدرها أعضاء ما يسمى "الأغلبية" التي ليست في الأصل سوى كتلة برلمانية غير متجانسة فكريا وسياسيا، وكل ما في الأمر أن أعضاءها ينسقون في ما بينهم بشكل عام أثناء وجود المجلس، ثم استمر هذا التنسيق بعد الحكم المفاجئ للمحكمة الدستورية.

Ad

لكن ما أفسد فرحة منظومة الفساد حقاً وجعلها تفقد صوابها، هو أن جميع البيانات التي أصدرتها مجاميع شبابية مختلفة تصب في اتجاه واحد سقفه مرتفع يتخطى، بدرجات كبيرة، ما يطرحه بعض أعضاء ما يسمى "الأغلبية"، وهو الأمر الذي يبين، بما لا يدع مجالا للشك، تصميم المجاميع الشبابية باختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية على إنجاز المطالب الشعبية المتعلقة بالإصلاح السياسي والديمقراطي ومكافحة الفساد، وهدر الثروة بعد أن سئموا المراوحة السياسية التي أرهقت وطننا، وملوا من تردد "الأغلبية" وعدم وضوح الرؤية عندها، خصوصاً أنها لا تملك برنامجاً سياسياً واضحاً للإصلاح بحكم تركيبتها من ناحية، ولأنها ليست جماعة سياسية منظمة بل كتلة برلمانية يغلب الهاجس الانتخابي على أغلب أطروحاتها من الناحية الأخرى.

إن استعراض أسماء الشباب الموقعين على البيانات المطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطي العاجل يبين بشكل واضح جداً أنهم ينتمون إلى كل مكونات المجتمع، وهو الأمر الذي يدحض الأكذوبة الكبرى التي ما فتئت تروج لها بعض القوى المتنفذة المتمصلحة من الوضع السيئ الحالي، وهي أن الصراع لا يعدو كونه صراعا فئوياً بين "القبائل" و"الحضر" في محاولة رخيصة وبائسة لتضليل الناس، وصرف أنظارهم عن قضاياهم وهمومهم المشتركة، والتي من ضمنها معاناتهم من حالة الدوران المرهق في حلقة سياسية مفرغة.

أخيراً وليس آخراً فإنه من الطبيعي جداً أن يكون الشباب في طليعة قوى الإصلاح والتغيير الديمقراطي، لكن من الخطأ النظر إلى فئة الشباب ككتلة واحدة صماء، إذ إن بينهم تباينات في وجهات النظر سببها اختلاف المرجعية الفكرية والسياسية والوضع الاجتماعي والاقتصادي، لكن الأمر المهم هنا هو التوافق العام بين المجاميع الشبابية حول مطالب محددة مع احترام حق الاختلاف فيما بينهم حول باقي القضايا السياسية.

بعبارات أخرى فإن المطلوب الآن من الشباب بشكل عام هو تشكيل وقيادة "جماعة ضغط" سياسية من الممكن أن ينضم إليها كل من يؤيد مطالبها، بمن في ذلك الأعضاء السابقون، يتم فيها التوافق حول مطالب واضحة ومحددة وقابلة للتنفيذ؛ على أن ينتهي دورها حال إنجاز المطالب المتوافق عليها كما حصل أثناء "دواوين الاثنين"، وحملتي "نبيها خمس" و"الإصلاح السياسي" الذي كان ضمن مطالبه إسقاط مجلس 2009، ورحيل رئيس الوزراء السابق.