فجر يوم جديد: ليال عربية
متعة لا تُضاهى تتملك المرء عندما تتاح له الفرصة لمشاهدة أحدث النتاجات السينمائية العربية؛ فمن دون أن يبرح مكانه في بلده أو يغادر مقعده في صالة العرض، يتابع أفراح وأتراح وانتصارات وانكسارات الأمة العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، ويتعرف من دون عناء إلى المتغيرات التي أصابت الواقع العربي في الآونة الأخيرة.من هنا كانت فرحتي كبيرة بقائمة الأفلام التي أعلنت إدارة مهرجان دبي السينمائي الدولي عن نجاحها في الاتفاق على عرضها في الدورة التاسعة، التي تُقام في الفترة من 9 إلى 16 ديسمبر، وخصصت لها برنامجاً يحمل عنوان «ليالٍ عربية»؛ فالباقة التي ضمتها القائمة تنوعت بشكل يعكس وعي القيمين على المهرجان، وعلى رأسهم رئيسه عبد الحميد جمعة ومديره التنفيذي مسعود أمر الله آل علي وأنتونيا كارفر مبرمجة برنامج «ليالٍ عربية». ولم تكتف بمقاربة الواقع العربي فحسب، وإنما رصدت هموم الجاليات العربية في العالم، وكشفت عن انتمائهم إلى أوطانهم كما فضحت انفصالهم عن جذورهم، في ما يمكن أن نسميه أزمة الهوية.
اللافت أن مهرجان دبي السينمائي الدولي انفرد في نسخته التاسعة بعروض حصرية لعدد من أفلام تُعرض للمرة الأولى في العالم أو في منطقة الخليج والمنطقة العربية في أسرها؛ مثل فيلم «تقاسيم الحب» إخراج يوسف الديب (علاقة المرأة بالرجل) الذي يُعرض للمرة الأولى عالمياً، كذلك فيلم «شيرين» للمخرج العراقي حسن علي (استلهام القصة الأسطورية الشهيرة «فرهاد وشيرين»)، لكن الفيلم يقدم القصة في قالب درامي معاصر، مُحملٍ برومانسية هذا الحب ورقته، بعد أن انتقل بالعاشقين من العراق إلى فرنسا. أما المخرجة رولا ناشف فتشارك بفيلمها الروائي الأول «ديترويت أنلادد»، الذي يعرض عربياً للمرة الأولى، وتقترب أحداثه من أزمة شاب أميركي من أصول لبنانية تجبره الظروف بعد وفاة والده على إدارة محطة الوقود التي تملكها العائلة. وللمرة الأولى عربياً أيضاً يُعرض فيلم «أخي الشيطان»، باكورة عمل المخرجة والكاتبة المصرية سالي الحسيني (دهاليز الطبقة العاملة في منطقة شرق لندن من خلال شاب نشأ وترعرع في بيت مصري تقليدي، وينظر إلى شقيقه بوصفه المثل الأعلى)، بينما يحتفي المهرجان بالمخرجة الكندية ماريان زحيل وفيلمها «وادي الدموع»، الذي يُعرض للمرة الأولى في منطقة الخليج، وتندد المخرجة من خلاله بالمجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي ضد اللاجئين الفلسطينيين في المخيم اللبناني الشهير «صبرا وشاتيلا»، ومضت الأعوام من دون أن يُحاسب أحد السفاحين أو يوجه أصابع الاتهام إلى القتلة، بل جرى وأد الملف إلى أن جاءت المخرجة الكندية لتفتحه مجدداً، وتُذكر العالم بتلك الجريمة المروعة، وهو ما لم يجرؤ مخرج عربي على التفكير فيه أو الإقدام عليه! احتل الصراع العربي الإسرائيلي جانباً أيضاً في برنامج «ليال عربية» من خلال فيلم «الصدمة» إخراج زياد دويري، الذي قدم معالجة سينمائية لرواية الكاتب الجزائري محمد مولسهول، الذي يكتب باسم مستعار هو ياسمينة خضراء (جرّاح فلسطيني ناجح يعيش في «إسرائيل»، ويحتفي به الإسرائيليون إلى أن تقع عملية فلسطينية استشهادية تقلب حياته رأساً على عقب)، وفي سياق ليس بعيد يتعاطف المخرج البلجيكي جواشيم لافوسي في فيلمه «أطفالنا» مع مأساة البطل العربي «منير»، الذي نشأ وترعرع في كنف طبيب بلجيكي ظل مصدره المالي حتى بعدما تزوج وأنجب، وتقدم المخرجة الدنماركية ذات الأصول التركية ميرال أوسلو فيلمها الروائي الأول «سناك بار» (عوالم عدد من الشبان الهولنديين من أصول مغاربية اعتادوا التجمع أمام مطعم عند ناصية الشارع، وتصبح الفرصة مواتية ليروي كل واحد منهم حكايته ومعاناته).أما الهم اللبناني فوجد لنفسه مكاناً في «الليال العربية» من خلال فيلم «عندما يأتي الظلام» للمخرجة سينتيا شقير، ويُعرض عالمياً للمرة الأولى (انعكاس أزمة انقطاع الكهرباء على المجتمع اللبناني)، وفيلم «قصة ثواني» للمخرجة لارا سابا (بيروت بكل تعقيداتها من خلال ثلاث شخصيات).يتجلى الواقع المغربي من خلال فيلمين؛ أولهما «خنشة ديال الطحين» للمخرجة خديجة لكلير (فتاة نشأت في دار أيتام كاثوليكي في بلجيكا وعاشت سنوات مراهقتها المتمردة تصارع الفقر في جبال الأطلس المغربية)، وفيلم «الدار البيضاء حبي» تأليف وإخراج جون سلاتيري، ويُعرض للمرة الأولى عالمياً (وجهة نظر مغربية حول العلاقة الطويلة والمتشعبة بين هوليوود والعالم العربي)، ويناقش المخرج العراقي – الإيطالي حيدر رشيد في فيلمه «مطر وشيك» أزمة الهوية التي تتنازع وتعتصر جيلين من المهاجرين (أب جزائري مع ابنيه اللذين يناضلان للتأقلم مع بلد ميلادهم إيطاليا، الذي يرفض أن يفتح ذراعيه لهما).