ما قل ودل: قراءة متأنية في مسودة الدستور المصري ... تطبيق شرع الله كلمة حق يراد بها باطل (1)

نشر في 11-11-2012
آخر تحديث 11-11-2012 | 00:01
الحديث المعاد حول تطبيق الشريعة الإسلامية، وتعديل المادة الثانية من الدستور، لتصبح المصدر الوحيد للتشريع، هو إنكار للتطور في الحياة والمستجدات التي طرأت على حياة الجماعة في العالم وسعيها إلى الرقي والتقدم، والقانون لازم من لوازم هذه الحياة ومن ثم فهو إحدى أدوات رقيها وتقدمها.
 المستشار شفيق إمام حقوق المرأة السياسية والشريعة الإسلامية:

كما نجح التيار الإسلامي في الإبقاء على المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، بإجماع آراء كل من صوتوا لهذا القرار، نجح كذلك في أن يقيد الحكم المتعلق بمساواة المرأة بالرجل في مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليه في المادة (68) بعدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، مثلما نجح التيار الإسلامي في مجلس الأمة في الكويت في أن يقيد حقوق المرأة السياسية، عند منحها لأول مرة حق الانتخاب وحق الترشح لمجلس الأمة بالقانون رقم (17) لسنة 2005 بوجوب التزامها بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية، وهي فقرة أضيفت إلى مشروع القانون قبل التصويت عليه مباشرة فلم تأخذ حقها من النقاش، الأمر الذي جعل هذه الفقرة تفتح باب الطعن أمام المحكمة الدستورية في الكويت على انتخاب كل من د. أسيل العوضي ود. رولا دشتي النائبتين في مجلس الأمة لعدم ارتدائهما الحجاب، وهو الطعن الذي لم تقبله المحكمة الدستورية في الكويت.

مليونية تطبيق شرع الله:

ولكن يبدو أن التيار الإسلامي في مصر لم يقتنع بما حققه من نجاح في الجمعية التأسيسية، فحشد حشوده لمليونية في "ميدان التحرير" يوم الجمعة الفائت لدغدغة مشاعر العامة في مجتمع تكاد تبلغ فيه نسبة الأمية 40%، أما الأمية الدينية والسياسية فتزيد نسبتهما على ذلك بكثير.

فالحديث المعاد حول تطبيق الشريعة الإسلامية، وتعديل المادة الثانية من الدستور، لتصبح المصدر الوحيد للتشريع، هو إنكار للتطور في الحياة والمستجدات التي طرأت على حياة الجماعة في العالم وسعيها إلى الرقي والتقدم، والقانون لازم من لوازم هذه الحياة ومن ثم فهو إحدى أدوات رقيها وتقدمها، وقد وقف الفقه الإسلامي دون تجديد عند كبار الأئمة وعظمائها الذين غادرونا إلى الحياة الآخرة في القرن الثالث الهجري.

وأن ما يستجد من أمور العصر، هو شأن خاص بالقانون الوضعي، يفتح الباب على مصراعيه للأخذ فيه بأي مصدر من مصادر التشريع، لأنه ليس شأناً خاصاً بالشريعة الإسلامية، ولأن ما يستجد هو بالضرورة ليس في أمور العقيدة أو العبادة، وقد أشبعها الفقه الإسلامي بحثاً وتنقيباً وبلغوا أدق تفاصيلها في بحوث تقوم على افتراضات أطلقوا لخيالهم العنان فيها.

ومصداقاً لذلك ما قضت به المحكمة الدستورية العليا من أنه إذا كان الاجتهاد حقاً لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق ثابتاً لولي الأمر يستعين عليه في كل مسألة بخصوصها، وبما يناسبها بأهل النظر في الشؤون العامة، إخماداً للثائرة، وبما يرفع التنازع والتناحر ويبطل الخصومة (2/ 1/ 1999 في القضية رقم 102 لسنة 9).

النظام القانوني الوضعي والشريعة الإسلامية  

وقد أنصف القانون المدني المصري الشريعة الإسلامية عند تحديد المصادر التي يرجع إليها القاضي، والذي اعتبر الشريعة الإسلامية، بمعنى الفقه الإسلامي، أحد المصادر التي يرجع إليها القاضي بعد العرف، إذا لم يوجد نص تشريعي وتقديم العرف على الشريعة الإسلامية، يسانده قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-  "ما رآه الناس حسنًا فهو عند الله حسن".

فإذا أضيف إلى ذلك أن الشريعة الإسلامية كانت أحد المصادر التي استقى منها القانون المدني المصري أحكامه، فإن الشريعة الإسلامية تكون بذلك قد تبوأت مكانها اللائق بها في النظام القانوني الوضعي في مصر.

ذلك أن القانون المدني هو القانون العام الذي ينطبق كأصل عام على كل فروع القانون دون تخصيص، فهو الذي يحدد مصادر القانون التي يلجأ إليها القاضي، عندما لا يجد نصاً تشريعياً، ويحدد أشخاص القانون، الشخص الطبيعي والأشخاص الاعتبارية، والحقوق ومصدرها والأموال وتقسيمها وانطباق القانون من حيث الزمان، وغير ذلك من أحكام، تسري على كل فروع القانون الخاص والقانون العام.

هو تراث إنساني صدر بعد جهد مضنٍ ودراسة كاملة استمرت أكثر من عشرة أعوام في دراسة التقنينات العالمية التي أعقبت التقنين المدني الفرنسي، وفي دراسة الشريعة الإسلامية.

ومن هذه التقنينات العالمية المختلفة النزعة والتي بلغ عددها 20 تقنيناً استمد منها مشروع القانون المدني المصري أحكامه ونظرياته من التشريعات اللاتينية؛ التقنين المدني الفرنسي والتقنين الإيطالي والإسباني والبرتغالي والهولندي، وتقنينات دول أميركا الجنوبية، وتقنين كندا الجنوبية، ومن التقنينات الجرمانية التقنين الألماني والنمساوي والسويسري وباقة مختارة من التقنينات من كل من المدرستين اللاتينية والجرمانية، وهي التقنين البولوني والتقنين الياباني وتقنين البرازيل وتقنين السوفيات والتقنين الصيني.

وكما استمد مشروع القانون المدني المصري ما اشتمل عليه من أحكام من هذه التقنينات مجتمعة استمدها كذلك من الشريعة الإسلامية أيضاً، وهي المصادر التي كشفت عنها الأعمال التحضيرية لهذا القانون، وأنه لم يوضع نص إلا بعد أن فُحصت النصوص المقابلة له في كل هذه التقنينات، وفي الشريعة الإسلامية ودُقق النظر فيها جميعاً واختير منها أكثرها صلاحية.

back to top