تجريم خطاب الكراهية

نشر في 13-08-2012
آخر تحديث 13-08-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. عبدالحميد الأنصاري ناشدت فعاليات سياسية ودينية سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد إصدار مرسوم يجرم خطاب الكراهية بعد تصاعد النعرات القبلية والطائفية، حفاظا على وحدة المجتمع واستقراره، وأكد سمو الأمير لوفد قبيلة مطير أنه لن يسمح بالمساس بأي فئة في المجتمع وأن الإساءة لن تمر مرور الكرام، وأن القانون سيطبق على الجميع.

تأتي هذه الأحداث على خلفية ما نسب إلى النائب السابق جويهل من إساءة لقبيلة مطير نشرت على حسابه في «تويتر»، ومع أن المذكور أنكر ما نسب إليه إلا أنه سلم نفسه لسلطات التحقيق.

ومن جهته قال د. عبدالله الغانم أستاذ العلوم السياسية: إن خطاب الكراهية يقوم على التمييز الطائفي أو العرقي أو الفكري ويضرب اللحمة الوطنية، ويجب تشديد العقوبة حتى تكون رادعة للمتجاوزين، ولم يكد ينجلي غبار هذا الحدث حتى أطلت فتنة جديدة حيث أقدم أحدهم على شتم سبطي الرسول- صلى الله عليه وسلم- الحسن والحسين رضي الله عنهما، وعلى «تويتر» أيضاً مما أثار حفيظة المجتمع الكويتي، وبادر الديوان الأميري باستنكار هذا الفعل الشنيع وأصدر توجيهاته بمحاسبة المسيء.

وليست هذه المرة الأولى التي يساء فيها إلى أحد المذاهب، فقد قضت محكمة الاستئناف في مايو 2012 بحبس الكاتب محمد المليفي إثر نشره مقالاً على «تويتر» يتضمن تحقير المذهب الشيعي، وهو كاتب يثير بعض كتاباته ما يصل حد الاستفزاز، وأذكر أنه نشر في 17 ديسمبر 2006 مقالاً بعنوان مستفز «نعم يا إبراهيم... هكذا ذبح الرسول 700 رجل في ليلة واحدة كما نذبح النعاج»، يقصد ما حل بيهود بني قريظة، ومع ذلك صرح من سجنه أخيراً أنه لم يقصد إلا هداية الناس وإرشادهم!

في المقابل تفاخر الهارب من العدالة ياسر حبيب في مقطع فيديو على اليوتيوب بأنه كان وراء إشعال المشاكل الطائفية في الكويت، متحدياً بأنه لا أحد يستطيع الوقوف ضد مد التشيع! منتقداً مصر التي تسعى بحسب زعمه لوضع مادة في الدستور توقف المد الشيعي.

لقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي التعرض للناس فلا أحد يسلم من التغريدات المسيئة، لا قبيلة ولا طائفة ولا مثقف أو عالم أو سياسي أو حاكم، ولكن ما هو حاصل في الكويت حاصل مثله وأكثر في سائر مجتمعاتنا على تفاوت في النسب، وفي مصر يشكو المسيحيون من تنامي خطابات الكراهية التي أدت إلى تهجير 120 أسرة مسيحية من قريتهم خوفاً من الاعتداء عليهم، كما أن الشيعة المصريين يعانون الخطاب التحريضي ضدهم.

الصراعات الدامية وأشكال العنف الأعمى ما هي إلا تجسيدات لخطاب الكراهية الذي يغذي التعصب والعداء للآخر، وهو الذي يدفع المغيرين على القبور والأضرحة في مالي إلى تدميرها كما دمرت طالبان تمثال بوذا في باميان، وهو وراء مسلحي بوكوحرام في هجماتهم على كنائس نيجيريا.

المجازر المتنقلة في العراق والتي لا تحترم قدسية الشهر الفضيل هي أحد تجليات خطاب الكراهية في بلاد المسلمين وخارجها، آلاف المسلمين في ميانمار ذهبوا ضحايا مذابح خطاب الكراهية في بورما وسط صمت عالمي مريب، وحتى بنغلاديش المسلمة شاركت في محاصرة اللاجئين ومنعت المساعدات!

وفي تقرير الحريات الدينية للخارجية الأميركية: أن مشاعر العداء للسامية والمسلمين تنامت في أوروبا وبخاصة القوانين التي تمنع ارتداء النقاب في فرنسا وبلجيكا، وهناك قلق على مصير الأقليات: البهائية والصوفية في إيران، والمسيحيون في مصر، والمسلمون في بلدان عدة، والبوذيون التبتيون والمسيحيون والمسلمون الإيغور في الصين.

ولا نجد تفسيراً لإحراق مسجد في ميسوري أو تعليلاً للمجزرة التي ارتكبها الطبيب النفسي نضال حسن في فورتهود نوفمبر2009 إلا مشاعر الكراهية العميقة التي تعد المحرض الأكبر لارتكاب مجزرة أورورا من قبل الشاب الأميركي هولمز وبريفك النرويجي في مذبحته لبني وطنه!

خطاب الكراهية خطاب أعمى وإلا ما تفسير إقدام انتحاريين لمجلس عزاء في اليمن وفي بغداد وتفجير عشرات المعزين الأبرياء؟! في محاكمات الإرهابيين في السعودية طالب عدد من المتهمين بمقاضاة من أفتوا لهم بالجهاد وحرضوهم على القتل والتدمير باعتبارهم مسؤولين في جرائمهم.

التساؤلات المطروحة: لماذا يستمر خطاب الكراهية ويتصاعد؟ وما مسؤولية مؤسساتنا الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية؟ وما مسؤولية المحرضين؟ وكيف نتصدى لخطاب الكراهية؟ إن صدور قانون بتجريم خطاب الكراهية بكافة أشكاله وتفعيله وترجمته على أرض الواقع، لا شك أنه يحد من انتشاره، كما أن العمل على تنقية المناهج التعليمية من شوائب التطرف والتعصب والكراهية والفكر التآمري والنظرة الدونية للمرأة مما يساعد على تغيير البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تشكل الوجدان والعقول للتواصل مع الآخرين واحترام الاختلاف بين البشر، كما أن تعزيز البعد الإنساني في التكوين النفسي للدعاة والخطباء يجعلهم أكثر تسامحاً وتقبلاً للآخرين، وأكثر تفهماً للضعف البشري وإعذاراً للمخالفين والمخطئين.

لقد أحسنت وزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية إذ وجهت تنبيهاً إلى أئمة المساجد وحذرت من الدعاء بالهلاك على اليهود والنصارى على وجه التعميم، وفي سلطنة عمان حذر الادعاء العام من تزايد التعليقات المسيئة عبر المنتديات الحوراية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تتضمن عبارات الشتم والقذف والإساءة للناس، وبث الإشاعات التي تتنافى وقيم وأخلاقيات المجتمع العماني وتتعارض مع تعاليم الدين الحنيف، وأكد الادعاء العام إلقاء القبض على بعض المسيئين، إن الحروب تبدأ بكلمة وتتحول الكلمة إلى رصاصة أو قنبلة موقوتة.

وأختم المقالة بدعاء إنساني رائع جاء في مقالة رائعة للكاتب الكويتي د. حامد الحمود بعنوان «يوم أحد في كنيسة» يصف فيها الكاتب عودته في إجازة إلى ولاية وسكونسن الأميركية التي كان يدرس فيها، يقول الكاتب أنه رأى الناس يدخلون إلى كنيسة فتبعهم ودخل من باب الفضول والاستطلاع واستمع إلى القس الذي كان يلقي موعظته بهذا الدعاء:

يا إلهي اجعلني قناة لتحقيق السلام، وعندما تكون هناك كراهية، مكني من زرع المحبة، واغفر لي عندما أكون سبباً في جرح الآخرين، وعندما يكون هناك شك ليكن هناك إيمان، اجعلني يا إلهي قناة لتحقيق السلام، وعندما يكون هناك يأس من الحياة ليكن هناك أمل، وعندما يكون هناك حزن، حوله بهجة وفرحا، وهبني ما أبحث عنه وازرع محبتي في قلوب الناس، لكي أحبهم من دواخل روحي، وعندما أموت ابعثني مع الطيبين.

يستطرد الكاتب ليقول إن الصلاة والخطبة والأناشيد الدينية في الكنيسة يتفق مضمونها مع ما تهدف إليه الأديان جميعاً، وهذه الأدعية ما هي إلا مناجاة وتضرع وطلب المغفرة من الخالق شبيهة بالمناجاة التي نجدها في أشعار المتصوفة المسلمين.

ويتساءل الكاتب: الكنائس في الماضي هي التي دعت إلى شن الحروب الصليبية لمدة 200 سنة خلال الفترة 1095-1291، والكاثوليك هم أنفسهم قتلوا ونكلوا بطوائف مسيحية عديدة فما الذي غير رجال الدين المسيحيين نحو الانفتاح الإنساني على الآخرين؟! وما الذي غير هذا القس في هذه المدينة الأميركية الصغيرة؟ وما الذي تحول لكي تتقبل الكنيسة أن يدخلها المسلمون؟!

لا شك أن الذي تغير هو البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تشكل وعي الناس وعقولهم بما في ذلك رجال الدين، إذ لم يكن أمامهم خيار آخر إلا أن يتغيروا ليستمر تأثيرهم في الرعية.

هذه البيئة الثقافية والاجتماعية لم يصنعها قرار سياسي ولا اكتشاف حقول نفطية، إنما صنعها تراكم خبرات ومعاناة إنسانية على مدى قرون ساهم فيها سياسيون وفلاسفة وعلماء وموسيقيون وغيرهم، ما أجمل هذا الدعاء الإنساني علاجاً ناجعاً لثقافة الكراهية!

* كاتب قطري

back to top