ليس هناك أكثر ضبابية من الوضع الذي يعيشه العالم العربي، وليس أمام المراقب سوى الانتظار والتأمل لما ستؤول اليه الأمور، فليس هناك من يملك صورة محتملة في ذهنه للمستقبل القريب فضلا عن المستقبل البعيد. الحديث هنا ليس عن التشاؤم أو تضخيم حالة الإحباط، بل محاولة لفهم ما يحدث أو بالأحرى محاولة للعمل الاستباقي للبحث عن مخرج علمي وعملي للحالة العمياء التي نمر بها.

Ad

بكل تأكيد جميعنا يعلم ما سيكون عليه الحال في حال تفشي التيار الديني، والتيار السلفي تحديدا، وعلو خطابه الأحادي ونظرته للوضع السياسي والاقتصادي والثقافي من خلال إدارته للأمور. نحن ندرك أننا أمام سيطرة غير مسبوقة للفكر القائل إن هذا هو ما نملكه لكم وكما قال أحدهم "اللي مش عاجبه الباب يوسع جمل يروحوا لأوروبا أو في ستين داهية". يهمنا الوضع الثقافي كمساهمين فيه بشكل أو بآخر. ولكن الوضع الثقافي هو نتاج للوضع السياسي الذي يعتبر الحاضن له ولمخرجاته.

لا نريد أن نتخيل أو نتوقع، ولكننا نعلم يقينا أن العمل الثقافي يحتاج لحرية يتضارب في تفسيرها وتحديد أطرها التيار الديني المتشدد مقارنة بالتيار الليبرالي. نعلم ما هو مصير العمل الأدبي رواية أو شعرا، ونعلم مصير السينما والعمل الفني، ويكفي ما نراه من ردة فعل تجاه أوبريت وطني، ونعلم ما سيحدث للمسرح والفن التشكيلي والعمل الصحافي في ظل غياب هذه الحرية وتفسيرها لتناسب مقاس المفهوم الديني.

أمام كل هذا يلفنا الصمت والاستسلام للهيمنة التراثية التي ترى في كل ذلك خروجا عن أدبياتها. ولا نريد أن نناقش أطروحاتها المقابلة لأنها بكل بساطة لم تقدم لنا ما يمكن أن نخضعه للحكم النقدي.

نعول كثيرا على التيار الوطني في إعادة الوضع على الأقل الى التوازن الموضوعي، ونعترف بأن المثقف في جميع القطاعات التي ذكرناها هو أيضا عنصر فاعل في هذا الحراك السياسي. والخطوة التي تقدم بها السيد محمد الصقر في محاولة لم شمل التيار الوطني تحتاج الى تضافر الجهود والوقوف مع الرجل الذي يقف الآن، سياسيا على الأقل، وحيدا في مواجهة شرسة للتيار الديني والقبلي الديني.

ما هو مطلوب حاليا أن يكون الخطاب الثقافي معادلا للخطاب السياسي، وأن يتخلى المثقف عن الاستسلام لهذه الهيمنة، وهو يدرك ما ستؤول اليه الأمور في حال تراجع التيار الحر أكثر من تراجعه الحالي. خسارة جولة في ظل هذا المخاض العسير الذي تمر به الأمة العربية وليس الكويت وحدها لا تعني الاعتكاف وانتظار ما يقرره لنا هذا التيار أو ذاك. علينا تفعيل مؤسسات العمل الوطني وتقديم خطاب وطني مستفيدين من واقعية هذا الخطاب الذي لا يفرق بين المواطنين بناء على الانتماء القبلي أو الطائفي.

لم تعد المهمة الآن الحفاظ على ما قدمته الثقافة التنويرية خلال نصف قرن للمجتمع المدني في الكويت أو المكتسبات التي جعلت الكويت رمزا ثقافيا ورقما صعبا في العمل الثقافي في العالم العربي، وانما العمل لدفع الحركة خطوات أكثر للأمام، ولن يمكننا ذلك اذا تركنا الساحة للخطاب المناهض للحرية وحرية الابداع بشكل خاص.