في السياسة الأعمال ليست بالنيات ولكن بالأفعال، فلا قيمة للنوايا في الحلبة السياسية، بل للنتائج على الأرض، إلا في الكويت.

Ad

فلدينا تدور معارك سياسية حول نوايا وشائعات، لها أول وليس لها آخر، وينشغل الناس بالجانب الظني من القضية ويبتعدون عن الجانب اليقيني منها.

في كل المجتمعات هناك محطات يلتقي حولها وبها الفرقاء للمناقشة والتفاوض للخروج من المأزق، قد يفشلون فيعاودون الكرّة، إلا في حالات يائسة يصبح فيها استمرار الوضع البليد البائس القائم على أزمات مستمرة، هو الوضع الأمثل للنخب السياسية، وهنا تصبح العملية السياسية عبثية لا جدوى منها ولا خير يرتجى.

الإشكالية الأصلية ليست عدد الدوائر أو كيفية تقسيم الأصوات، ولكنها تكمن في عدم قناعة النظام بالديمقراطية، وهي قصة قديمة مكررة، وإن بتفاصيل مختلفة، بدأت ربما منذ اتخاذ القرار بالتحول من نظام عشائري مطلق إلى نظام دستوري في أواخر عام ١٩٦١ بعد الاستقلال.

وكانت قضية الدوائر هي محور الارتكاز لضرب وتحجيم إمكانات التحول الديمقراطي.

بدأ ذلك مبكراً جداً، حيث تمت مناقشة عدد الدوائر وحدث الانقسام، فالتيار الوطني، إن جاز التعبير، كان يطرح الدائرة الواحدة، بينما الحكومة تطرح العشرين دائرة، فتم التوصل إلى حل وسط وهو عشر دوائر.

ورغم وجود الاتفاق فإن مرسوماً أميرياً صدر بالعشرين دائرة، ضارباً عرض الحائط بالاتفاق، وبعد اتصالات ومفاوضات تم سحب المرسوم واستبداله بمرسوم جديد بعشر دوائر. حدث ذلك عام ١٩٦١، هذه كانت البداية وهي مستمرة معنا حتى اليوم.

ممارسات كهذه خلقت حالة انعدام ثقة بمنظور الحكومة أو الحكم، لا فرق، للتطور الديمقراطي.

وفي أي عملية سياسية فإن عدم وجود ثقة بين الأطراف يحتاج الى ما نسميه في علم السياسة إجراءات بناء الثقة، وهي مسؤولية الحكومة بالدرجة الأولى، هذا على افتراض حسن النوايا، وهو أمر لابد أن تترجمه الأفعال.

إذاً لدينا حالة مرضية من عدم الثقة تحتاج إلى إعادة بناء، وفي المقابل فإن لدينا حالة تبلد وتكرار وفقدان للخيال لدى الأطراف السياسية الأخرى مهما كانت تسميتها.

ولذا وقبل أن ننطلق إلى الحلبة السياسية لنمارس صراعنا التقليدي العادي والممل في أغلب حالاته، لابد أن تجلس الأطراف المعنية للاتفاق على الخروج من المأزق الفني القانوني والدستوري، دون تخوين أو تعالٍ أو ادعاء الحكمة أو زعم احتكار الحقيقة، فلا التراث الحكومي المتلاعب يتيح للحكومة ادعاء حرصها على العدالة ومن ثم تعديلها للدوائر بشكل منفرد، ولا المعترضون الذين لم يحلوا المعضلة الفنية وقد يخرجونا من أزمة إلى أخرى.

الإحالة إلى الدستورية ليست حلاً، والانفراد الحكومي بتعديل الدوائر مرفوض، وإجراء الانتخابات على وضع الدوائر يقود إلى مجهولٍ معلومٍ وتكرارٍ لأزمة، وبالتالي لابد من التفاوض بين الأطراف، ولا أقول مؤتمراً وطنياً فضفاضاً، بل اجتماعات مركّزة على كيفية معالجة المأزق الفني الدستوري، وبعد ذلك عودوا إلى قذف بعضكم بالحجارة، فإن لم يتم التعامل بجدية مع المأزق فنحن في بداية حفلة زار لا أظن أنها ستُخرِج الأرواح الشريرة من الجسد المريض.