كانت الثورة المصرية تتقدم بثبات، ويواصل الشبان والشابات الصمود والمجالدة في "ميدان التحرير"، ويتعرضون للقتل من قبل شرطة مبارك وأجهزته الأمنية، في وقت فر فيه زين العابدين بن علي من تونس، التي حققت ثورتها انتصاراً ضخماً مدوياً، ومع ذلك، فقد رأى جوزيف بايدن نائب الرئيس الأميركي أن يصف مبارك بأنه "ليس دكتاتوراً"، في ما اعتبرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن "الوضع في مصر مستقر".

Ad

لم يكن الوضع مستقراً بطبيعة الحال، فقد كانت التظاهرات تملأ عشرات الميادين في محافظات البلاد المختلفة، تحت شعارات "عيش... حرية... عدالة اجتماعية... كرامة إنسانية"، وهي شعارات تنسجم تماماً مع الخطاب الأميركي المعلن، لكن الإدارة الأميركية قررت آنذاك أن تنتظر قليلاً، بل أن تقدم دعماً أخيراً لأحد أهم حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، على أمل أن يجتاز تلك العثرة، ويتمكن من الصمود.

كانت العلاقات الأميركية- المصرية في عهد مبارك استراتيجية بامتياز، ورغم بعض الخلافات والمناورات الصغيرة التي ظهرت على فترات متباعدة على مدى ثلاثة عقود من حكم رئيس مصر السابق، فإن تلك العلاقات عرفت ثباتاً في توجهاتها الأساسية، واطراداً في اتساعها على الصعد المختلفة، ومرونة في تفادي الصدمات ونقاط الخلاف.

كان مبارك ركناً رئيساً في الاستراتيجية الأميركية لما عُرف بـ"مكافحة الإرهاب"، وقد وصل الأمر في ذلك المضمار إلى أن رجال الاستخبارات الأميركية كانوا يرسلون المعتقلين الخطرين إلى رجال مبارك في مصر لتعذيبهم واستخراج المعلومات منهم.

كان مبارك كذلك ركناً أساسياً في استراتيجية واشنطن لتحرير الكويت، كما كان عنصراً رئيسياً في خططها لـ"حماية الاستقرار" في المنطقة على مدى ثلاثة عقود، إضافة بالطبع إلى تعاون مثمر في القضايا الدولية والإقليمية كافة ذات الصلة، إلى جانب برنامج المعونة، والتبادل التجاري الذي سجل زيادات مطردة باستمرار، حيث كان الميزان يميل عادة لمصلحة واشنطن بوضوح.

لم يكن مبارك حليفاً لواشنطن وحدها بالطبع، بل كان أيضاً حليفاً للغرب بشكل عام، حيث ظلت علاقاته بالدول الغربية الرئيسة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا أكثر من جيدة.

سعى مبارك إلى تهميش إيران في المنطقة، وامتنع عن تطوير علاقاته بها، وعقد تحالفاً وثيقاً مع معظم دول الخليج العربية، ودافع عن قضية جزر الإمارات التي تحتلها إيران، ودافع عن هوية البحرين ضد تدخلات طهران.

كان موقف مبارك متسقاً تماماً مع المواقف الغربية خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو 2006، وكذلك في الحرب الإسرائيلية على غزة في نهاية 2008 ومطلع 2009، كما حافظ على صيانة الاستراتيجية الغربية تجاه الموضوع الفلسطيني، والأهم من ذلك أنه حافظ بقدر المستطاع على "تحقيق الاستقرار" الذي جلب الأمان لإسرائيل على حدودها الجنوبية.

ثمة الكثير من التحليلات والمعلومات والأخبار عن توافقات وتفاهمات أميركية وغربية مع جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، وثمة من يشير إلى قدرة واشنطن والغرب عموماً على إقامة علاقات مصلحية ناجعة مع الإسلام السياسي في حال وصل إلى الحكم في أي دولة من الدول، لكن كل هذا لا يبرر أبداً المغامرة بفقدان "حليف مرن ومتعاون وغير مزعج" للحصول على حليف مفترض بأمل "ترويضه".

إذا كان لأحد غير المصريين حق التصويت في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية المصرية التي من المفترض أن ينتهي التصويت فيها بعد ساعات، إذا جرت الأمور في مسارها الطبيعي، فإن النظم الغربية، وعلى رأسها الإدارة الأميركية، ستصوت بوضوح للفريق أحمد شفيق. فقد سبق أن أعلن شفيق أن مبارك هو "مثله الأعلى"، وهو أمر مفهوم بالطبع؛ إذ كان مبارك أبقاه رئيساً لسلاح الجو لأطول فترة عرفها هذا المنصب، وبعدها عينه وزيراً للطيران لمدة عقد من الزمان، قبل أن يلجأ إليه ليشكل آخر حكومة في عهده.

بالطبع ليس لغير المصريين حق التصويت في تلك الانتخابات، لكن النظم الغربية يمكنها أن تلعب أدواراً عديدة لتعزيز فرص فوز شفيق عبر التعاون مع حلفائها وأصدقائها في المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد من جهة، وعبر الإيعاز لحلفائها في الخليج بتقديم أشكال من الدعم لشفيق كمرشح ولاحقاً كرئيس.

لن يكون الغرب سعيداً بالطبع برئيس مصري يضع قيوداً على حركة الاستثمارات والسياحة القادمة إلى بلاده، أو يرتكز إلى أيديولوجيا تحوي أفكاراً وتوجهات تنافسية أو عدائية تجاه العالم الغربي، أو أكثر رغبة في مساعدة "حماس" وغزة حتى لو شكلت تلك المساعدة ضغطاً على "أمن إسرائيل".

ولن يكون الغرب سعيداً بالطبع برئيس مصري يريد أن يطور علاقات بلاده بإيران، ويمكن أن يقوده هذا إلى مواقف مناوئة لخطط قصفها أو عزلها.

يرتاح الغرب جداً لرئيس مصري يمثل نسخة معدلة من مبارك... مبارك بلا فساد فاجر، وتزوير انتخابات، وتوريث.

يمثل شفيق من وجهة النظر الغربية مشروعاً إصلاحياً مقارنة بمبارك، ومشروعاً "مأموناً" مقارنة بما يطرحه مشروع "الإخوان المسلمين".

من يتابع تصريحات شفيق ووعوده الانتخابية كلها لا يلمح أي إشارة إلى سلوك أو توجه أو سياسة يمكن أن تتعارض مع التوجهات الغربية والأميركية تحديداً من قريب أو بعيد.

ما يطرحه شفيق عموماً يصب في دائرة "الإصلاح" و"حل المشكلات"، وهو خطاب يماثل ما قد يصدر عن مرشح محلي لتولي إدارة مدينة أو قرية، لكن ما يطرحه تيار الإسلام السياسي عموماً وجماعة "الإخوان المسلمين" خصوصاً ينطوي على ضرورة إحداث تغييرات جوهرية، وهو أمر يمثل مخاطرة بالنسبة إلى صانعي السياسات بالغرب في مقابل "الرؤية المباشرة البسيطة" التي يطرحها شفيق.

من وجهة نظر الغرب فإن شفيق يريد أن يحل المشكلات الطارئة التي تعانيها مصر، وسيحافظ على ميراث مبارك في ما يتعلق بالسياسات الإقليمية والدولية، في مقابل مرسي الذي قد يسير عكس اتجاه مبارك خارجياً، والذي يحمل مشروعاً "نهضوياً" قد يصدّر "أستاذية أو إلهاماً أو مشكلات" إلى الخارج.

لذلك، فإن الغرب سيدعم شفيق، وعلى الأرجح أنه واصل دعمه منذ أسابيع عديدة، وهو أمر لا شك يصب في مصلحة عواصم مثل واشنطن أو لندن أو باريس أو برلين أو تل أبيب، دون أن يعني هذا أنه يصب في مصلحة المصريين بالضرورة.

* كاتب مصري