مصادفة ومن غير قصد وقعت عيني على معلومة مفيدة عن الكويت جعلتها من أكثر دول العالم تقدما وتنمية. هي من أهم إنجازات ديرتنا في هذه الألفية. تكاد الكويت تسيطر على الاقتصاد العالمي بهذا الإنجاز. يقول كتاب الخامس ابتدائي إن الكويت خلال السنوات الخمس الماضية أعطت المرأة حقوقها السياسية... مبروك. أخذت حقها واقتحمت المجلس بنسبة 8 في المئة من النواب. وبعد فترة وجيزة أعادها الشعب إلى بيتها لتستعد لجولة قادمة مع الرجال، ويقول الهدهد إنها ليست بعيدة.

Ad

قبل عشرة آلاف سنة من إنجازنا الكبير هذا وبينما كان "الهدهاد" ينتظر منيته ويستعد للرحيل لآخرته جمع مستشاريه وأعوانه وقادة جيشه ورجال السياسة والاقتصاد، وأخبرهم أنه راحل لا محالة، ولحرصه الشديد على مستقبل مملكته العظيمة وبعد دراسته لأخلاق الملوك وعقول العارفين وفضل الصالحين لم يجد أجدر من ابنته لتحكمهم وتستلم مقاليد مملكة سبأ.

هذه البنت السمراء الفتية والعزباء لم يكن لها خبرة في الحكم، ولكن أصلها الملكي وجذورها الحميرية أجبرتها على التصرف كملكة تحيط شعبها برعايتها وترسم مستقبل دولتها بنظرة استراتيجية تخلو من الحسابات الشخصية.

في الفترة الأولى من حكمها لم تسأل عن الراتب والدخل السنوي والميزات المالية، وبدلاً من تحجيم برلمانها ومجلس الشورى قالت كلمتها الشهيرة والتي ذكرها القرآن "ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون"... قمة المشاركة الشعبية. بدل تدوير الوزراء أمرتهم بتنمية موردهم الاقتصادي الأول، وهو التجارة إلى بابل وبلاد الفرس. ففتحت الممرات وسهلت السبل وقامت بتوفير الخدمات وأمنت السفر. فازدهرت تجارتها وتطور دخل بلادها. وخوفاً من نضوب هذا المورد قامت باستخدام فائض أموالها لبعث مورد جديد تمثل في الزراعة المتطورة. والتي مازالت آثارها ماثلة حتى اليوم. وزير ماليتها يفهم معنى "مال"، فلم يصرفه "كاش" للشعب ولم يقدم الطعام "ببلاش".

لم يذكر التاريخ أن لبلقيس أبناء عمومة من الشيوخ والأمراء "يحفرون" لبعض ويسعى كل منهم لإسقاط الآخر بحيل وأساليب رخيصة. وبالتالي صاروا "طماشة" للجميع ومجالاً للتندر في ديوانيات سبأ والدول المجاورة.

عندما سافرت بلقيس إلى الدولة المتطورة في بيت المقدس لم تأخذ كاميرا "الديجيتال" لممارسة هواية التصوير، لكن عندما أبهرتها الحضارة والتقدم والتنمية الحقيقية والعدل الذي لم تر له مثيلاً عادت بفكرة رائعة وضعت دولتها فوق كل دول العالم في ذلك الوقت. كانت تلك هي بناء سد مأرب. ظلت بعده سبأ في وضع اقتصادي مريح ومستقبل لا خوف عليه حتى بعد موت بلقيس.

جاء من بعد بلقيس شيوخ لا هم لهم سوى المال والوقيعة بين الشعب وهدم منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية في المملكة، تأخرت التنمية وتقادمت المشاريع وأصابها الخلل والعطب، ووصل الفساد إلى سد مأرب فكانت النتيجة أن انهدم على الشعب ومزقهم كل ممزق وجعلهم أحاديث.