القضاء والإخوان

نشر في 23-07-2012
آخر تحديث 23-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. عبدالحميد الأنصاري لم يكن لائقاً ولا مقبولاً من عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة تهجمه على القضاء المصري، ولم يكن موفقاً في تشكيكه في نزاهة واستقلالية القضاء، إذ ادعى العريان في مقابلة في صحيفة الشرق الأوسط أن نظام مبارك نجح في إقحام القضاء في السياسة، وهو قول مرسل لا سند له إلا هوى النفس والتحزب البغيض، بل العكس هو الثابت والصحيح، إذ استعصى هذا القضاء الشامخ على مر التاريخ الحديث على كل محاولات التدخل السياسي في أعماله.  لم يستطع نظام مبارك ولا السادات ولا حتى عبدالناصر بجبروته التأثير في أحكام القضاء المصري الذي وقف شامخاً بمنأى عن الأهواء والتدخلات السياسية، لو كان القضاء المصري مسيساً كما يزعم العريان لما حكم على مبارك وقد تعدى الثمانين وهو مريض بالأشغال الشاقة المؤبدة مع وجود عذرين مخففين: المرض وكبر السن.  ولو أن نظام مبارك نجح في تسييس القضاء كما يدعي العريان وجماعته لما حكمت "الدستورية" العليا بحل البرلمان مرتين: 1987 و1990 في عهد مبارك وامتثل لها، لو كان القضاء المصري مسيساً كما يزعم هؤلاء المغرضون لما احتل الترتيب الثالث بعد نظيريه الألماني والإيطالي في التصنيف العالمي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة بشأن استقلال المؤسسات القضائية، متفوقا على الفرنسي والأميركي، كما جاء عدد كبير من قضاة المؤسسة القضائية المصرية ضمن تصنيف الأمم المتحدة لأفضل الخبراء القانونيين في مجال الحقوق والحريات العامة.  تشكيك العريان ومن على شاكلته في القضاء، تشكيك مرفوض ومردود عليه، وعلى كل المثقفين والكتاب والحقوقيين الوقوف في وجهه والتصدي له وكشف نواياه المغرضة، قضاء مصر لم يكن أبداً صنيعة أحد، ولم يكن في يوم من الأيام في موقف خصومة مع أي جهة أو مؤسسة أو طرف في صراع سياسي مع من يحترم القضاء والقانون وتجرده واستقلاله، ويحفظ هيبته وعدم العدوان عليه.  لقد كانت سقطة بالغة السوء من العريان ومن ساروا على دربه حينما قالوا "المحكمة الدستورية أخذت قراراً سياسياً لا قراراً قضائياً" وهم يعلمون في قرارة أنفسهم عدم صدق دعواهم، لأن المحكمة أوضحت في حيثياتها السند القانوني القاطع لحكمها، وهو سند لا مجال للشك فيه وليس له علاقة بالسياسة.  قالت المحكمة إن القانون الذي تم على أساسه الانتخابات قانون باطل، وفسرت المحكمة النص المطعون عليه وأعدمته منذ منشئه، فلا مجال للشك أو التفسير، فإذا كان لدى العريان وجماعته حجة قانونية مضادة فليبرزوها أو ليصمتوا للأبد!  القول إن حكم المحكمة حكم سياسي وليس قضائياً، اتهام خطير للحكم القضائي وللقضاة، لأنه يعني عدم صلاحية القضاة الذين أصدروا الحكم للبقاء على كرسي القضاء! العريان لا يكتفي بالتشكيك في القضاء، بل ينصب نفسه حكماً أعلى يقيم عمل الشيوخ السبعة للمحكمة الدستورية العليا، ويدعي أنها تسرعت في الحكم! من يكون العريان ليقيم عمل شيوخه وأساتذته؟! إنه أمر مضحك وشر البلية ما يضحك! وإذا كان الرئيس المصري محمد مرسي قد اضطر للتراجع عن قراره بعودة البرلمان المنحل، وعبر عن احترامه لحكم الدستورية وإشادته بقضاة مصر الشرفاء، فلماذا يستمر العريان وزمرته في الطعن في القضاء؟! لماذا يستمر العريان في هجومه عليهم وتضليله للرأي العام؟! لقد وقف الشعب المصري بكافة هيئاته ومؤسساته ضد قرار رئيس الجمهورية بعودة البرلمان المنحل دفاعاً عن قضائه العادل، ورضخ الرئيس وأعلن تراجعه، لكن عصام العريان ومن يدورون في فلكه مازالوا يناورون ويخادعون، قائلين إن الشعب يرفض حل البرلمان، وقد ضلوا وأضلوا، يبحثون عن مخارج لاستدامة الهيمنة الإخوانية على المجلس المنحل، يستندون إلى شذوذ من الرأي والتفسير، ويطرحون فكرة حل الثلث والإبقاء على الثلثين أو فكرة الاستفتاء الشعبي على حكم المحكمة، وهي كلها مناورات مضللة ومخادعة. المحكمة الدستورية لم تتوقف في تفسيرها عند الثلث أو الثلثين حتى يكون الأمر بحاجة إلى تفسير القضاء الإداري أو المحكمة الإدارية العليا، بل فسرته بما يجعل جميع المحاكم مقيدة بحكمها لا تستطيع الخروج عليها، أما الاستفتاء الشعبي على حكم القضاء فهو مخالف للقانون والدستور، فضلاً عن أنه لا يوجد في التاريخ أن تم الاستفتاء على أحكام القضاء، بل لو تم ذلك فإنه سيدخل الدولة والمجتمع في حالة انقسام خطر، ويبدو أنها فكرة من مبتدعات خزينة الإخوان الفكرية!  إن هذا الهجوم الشرس من قبل الإخوان والمتعاطفين معهم من القانونيين، واتهامهم للقضاء المصري بالتسييس، وتشكيكهم المضحك في قضاة مصر، إنما يأتي في سياق خطة الإخوان للاستحواذ على مؤسسة القضاء بعد أن استحوذوا على مؤسستي: الرئاسة والتشريع بحجة أنه يجب إخضاع مؤسسة القضاء لإرادة الشعب، وبما أن الشعب يريد عودة البرلمان والأحكام تصدر بحكمه فيجب احترام إرادته وعودة المجلس المنحل! هكذا يدعي العريان وصحبه.  ينعى العريان على نظام مبارك تسييسه للقضاء، وما يقوم به هو وجماعته هو التسييس بعينه، يتدخلون في عمل القضاء ويرفضون أحكامه، ويقولون نحن نمثل الشعب، ويجب أن يخضع القضاء للشعب، فماذا يكون التسييس غير هذا؟! ما دخلت السياسة أمراً إلا أفسدته لأن الغاية السياسية تبرر وسيلتها، وهو الهدف الذي يسعى الإخوان إلى تحقيقه، يريدون قضاءً في صفهم، وأحكاماً لمصلحتهم، وهناك للأسف فقهاء قانون جاهزون لتفسير القانون والأحكام بحسب الهوى السياسي الإخواني.  لقد بدأت خطة الإخوان للاستحواذ على القضاء وتسييسه عبر عدة خطوات ومظاهر منها: الأول، استغل الإخوان المجلس قبل حله وسارعوا بطرح (7) اقتراحات بقوانين لتقييد السلطة القضائية منها: تخفيض سن التقاعد للقاضي، ومنع تولي أي مناصب قضائية بعد الـ60 عاماً، وآخر لإعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا وغيرها من القوانين التي تستهدف إضعاف السلطة القضائية وإخضاعها لسلطتهم.  الثاني، قاموا باصطفاء قانونيين مصنفين قضائياً، يدعون أنهم "مستقلون" وأنهم "قضاة من أجل مصر" والاعتماد عليهم وأخذ رأيهم دون غيرهم من الأسرة القضائية والقانونية، مع أن هؤلاء يشكلون شذوذاً في الوسط القضائي الكبير، أو نتوءاً في الجسم القضائي العملاق والمؤلف من 13 ألف قاض. الثالث، سلطوا صغارهم وصبيانهم للتظاهر أمام المحكمة بهدف تهديدها وإرهابها والتهجم على قضاتها، وهي تصرفات غير لائقة وغير مسبوقة لا يقرها دين أو عقل أو أخلاق أو قانون، لكن قضاة مصر ولله الحمد تعالى لا يأبهون بمثل هذه التصرفات الصبيانية، وهم بمنأى عن تأثيرها فيهم حتى لو كان أمام المحكمة مليون متظاهر.  قضاة مصر يحكمون بما تمليه عليهم ضمائرهم وبما ينص عليه القانون مهما حاول هؤلاء الضغط عليهم وإرهابهم، دعهم في غيهم وضلالهم يتظاهرون ويتوعدون ويشككون ويناورون فإن يقيننا الثابت أنه لم يولد بعد من يستطيع التأثير في أحكام القضاء المصري.  * كاتب قطري
back to top