قال تعالى: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ". سورة التوبة الآية (٣٣).

Ad

حقيقة لا يختلف اثنان على ضرورة استنكار ومحاسبة منتجي الفيلم المسيء إلى الرسول عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وكنا نتمنى أن تشاركنا أميركا وأوروبا والمجتمع الدولي بصراحة ووضوح هذا الاستنكار، وأن يكون هناك تحرك عربي إسلامي ضد مثل هذه النزعات الفردية التي تسعى إلى إيذاء مشاعر المسلمين والمساس بالأديان السماوية.

لكن عتبنا الأكبر على دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها الكويت التي تستخدم أسلوب الاستنكار على استحياء، فقد أصدرت "الخارجية"، كالعادة، بياناً منسوباً إلى "مصدر مسؤول"، يستنكر الفيلم ويناشد المنظمات الإسلامية والدولية التعاون رغم أنها أحد الممولين لتلك المنظمات!

أسلوب التصريح باسم مصدر مسؤول حقيقة لا أجد له ما يبرره، وأجده قريباً من طلاسم غير واضحة... فلماذا يخرج التصريح بهذا الشكل وعلى استحياء؟ ولماذا لا يكون التصريح باسم وزير الخارجية أو وكيل الوزارة؟ فمن المعروف أن ذلك يعطي ثقلاً للموقف ويدعم الرسالة المراد إيصالها، وهل من المعقول أن تستمر وزارة الخارجية العمل بأسلوب دبلوماسية النعومة؟! أم أن هناك دبلوماسية جديدة ليست في قاموس العمل السياسي الذي نعرفه؟!

"الله يستر على الكويت وشعبها ويحفظنا من سياسات مغيبة وأفعال ناعمة".

بعد فتوى إباحة دم سلمان رشدي "آيات شيطانية" لم يتجرأ أحد على التعرض لمقدسات المسلمين إلى أن جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والمسلمون والعرب في حالة تخبط واستسلام تام، وكأن من قام بالتفجير كل العرب وكل المسلمين لا مجموعة حاقدة ضلت طريق الإسلام ونشرت فكراً مدمراً في البلاد الإسلامية والعربية، فراحت تقتل الأبرياء من بني جنسها ودينها قبل الآخرين فاستباحت دماء الأبرياء عبر التفخيخ والنحر وما يسمونه بالعمليات الاستشهادية، فحصدت تلك العمليات وحدها الآلاف من الأبرياء، فكان لدولتي باكستان والعراق نصيب الأسد من هذه العمليات.

هذه البلطجة الدموية من شواذ الإسلام استغلها متطرفو الديانات الأخرى لرسم صورة سيئة عن الإسلام في أذهان العالم، بينما ظلت الدول الإسلامية في موقف المتفرج ولم تبادر في تصحيح تلك الصورة المزيفة، حيث أتاح هذا الموقف الضعيف لأعداء الإسلام أن يتمادوا في أفعالهم الدنيئة، حتى تجرأ الرسام الدنماركي برسومه القذرة ثم القسيس الأميركي الذي حرق القرآن، إلى أن جاء منتج هذا الفيلم المشين ليعلنها صراحة في وجوه دولنا أنهم تُبع ولا يملكون القدرة على المواجهة، فحتى الاستنكار كان يأتي من الشعوب لا من الحكومات.

الفرق بيننا وبين الغرب عندما يمتعضون من تصرفات وسياسات بعض الدول تجد التحرك يأتي من حكوماتهم قبل شعوبهم، فهي تتحرك وفق المصالح العليا لشعوبهم، فتراها تباشر بفرض العقوبات عبر مجلس الأمن، وإن لم تستطع تبادر بفرض تلك العقوبات بشكل منفرد لترويض أعدائها، أما حكوماتنا فلا تحرك ساكناً بل تستكثر على شعوبها ردود الأفعال.

طبعاً ردود الشعوب لا يمكن التنبؤ بها إن لم يتم احتواؤها من قبل الحكومات في سياسة استباقية.

من المهم أن نستنكر وأن نعمل على محاسبة الضالعين في أعمال القتل والتنكيل بممثلي السفارات الأجنبية، وهي حتماً مرفوضة دينياً وأخلاقياً، لكن الأهم فرض سياسة واضحة لضمان محاسبة من يسيء إلى مقدساتنا. ودمتم سالمين.