ما لفت انتباهي في الأولمبياد كان طابور العرض لدخول الوفود المشاركة التي بلغت مئتي دولة منها الكبيرة ومنها الصغيرة، ومنها المتقدمة ومنها المتخلفة، ومنها المسالمة ومنها العدائية، وفي سياق واحد وعلى درجة متساوية من الاحترام والمكانة دونما تمييز أو محاباة.

Ad

حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في لندن سطّر من جديد مجموعة من العبر الإنسانية التي لا يمكن أن نستفيد منها مع كل الأسى والأسف، وعلى الرغم من المظاهر الاحتفالية وروعة تلاعب الإنسان بفنون التكنولوجيا الحديثة وتلك اللوحات الجميلة التي تمثل عصارة العقلية الإنكليزية وعراقتها، فإن المشهد العام لتجمع عشرات الآلاف من بني البشر ومن مختلف قارات العالم، وهم يتقاسمون أرضية الملعب الأولمبي، يشعرك بإحساس جميل، وهو أن الكرة الأرضية بطبيعتها قادرة على استيعاب هذا الكم الكبير من التفاوت والاختلاف بين الناس في أصولهم وانتماءاتهم ودياناتهم وألوان بشرتهم وتصاميم أزيائهم، والأكثر من ذلك أنهم أتوا من أماكن بعيدة، والرواسب التاريخية من حروب وعداوات قد لا تزال في عقول الكثير منهم، ليتنافسوا ويتبارزوا ويتصارعوا ويتبادلوا اللكمات، ولكن بروح رياضية وإعلان ثقافة السلام والمحبة! وما لفت انتباهي أكثر كان طابور العرض لدخول الوفود المشاركة التي بلغت مئتي دولة منها الكبيرة ومنها الصغيرة، ومنها المتقدمة ومنها المتخلفة، ومنها المسالمة ومنها العدائية، وفي سياق واحد وعلى درجة متساوية من الاحترام والمكانة دونما تمييز أو محاباة. وفي طابور العرض شاهدنا بعض الوفود الإفريقية يتقدمهم حامل علم الدولة ببشرة بيضاء وشعر أصفر، وأخرى أوروبية يتقدمهم رياضي من أصحاب العيون الآسيوية المميزة، أو فتيات يتقدمن زملاءهن الشبان إلى آخر هذه التوليفة غير المتناغمة كيميائياً أو جينياً، وكانت المفاجأة أن يعلن المعلقون بأن هؤلاء "المختلفين" هم أبطال رياضيون من تلكم الدول نفسها، وخلال هذه اللقطات الجميلة كانت أصداء بعض العبارات الكويتية ترنّ في أذني، وهي تجلب الحسرة والألم، من قبيل الأصيل و"البيسري"، وكويتي داخل السور وخارج السور، والشيعي والسني، و"ولد بطنها" والمزدوجين، وغيرها من هذا القاموس البليد والخاوي والمريض. وعرفت أحد أسباب تخلفنا وتراجعنا، وأحد أسرار الدوامة المغلقة التي ندور فيها حول أنفسنا ونحن نرى العالم يقفز من حالة لأخرى، ومن تطور لآخر، ومن إبداع يتلوه إبداع. وما يحزن أكثر أننا من شريعة مقدسة تنادي بتلك المُثل والأخلاقيات التي يسطرها العالم اليوم، ويدعو إلى نبذ كل أشكال العنصرية والفئوية والتعصب، ولا تزال بعض العقليات البالية تهيمن على ثقافة التمييز والفزعة وتنجح مع الأسف. أما الطامة الكبرى، وأنت ترى هذا المشهد الكوني العارم، وبهذه اللوحة الفنية الرائعة، أن بلدنا وما يخبئ من هذه الثقافة المريضة لا يرى في مثل هذه المحافل بالعين المجردة! نتمنى كل التوفيق والنجاح لشباب وشابات الكويت المشاركين في "أولمبياد" لندن لعل وعسى يبرهنون لزملائهم الرياضيين في العالم أن في هذا البلد الصغير من يحمل أيضاً فكراً نيراً وثقافة التسامح والمحبة!