يؤدي خواكين فينيكس في The Master دور محارب قديم في البحرية الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية وهو يعاني اضطراباً نفسياً، فيجد نفسه تائهاً ويقع في دوامة الإدمان على الكحول وينتقل من وظيفة إلى أخرى (من مصور في متجر إلى عامل مهاجر).

Ad

تعود الحقبة الزمنية إلى عام 1950. أطلق رجل اسمه لانكاستر دود (يؤدي دوره فيليب سيمور هوفمان) ديانة ذاتية تحمل اسمل «القضية» (The Cause). تصعد الشخصية التي يؤديها فينيكس، فريدي كويل، على متن يخت في خليج سان فرانسيسكو في إحدى الأمسيات. تُتَوَّج اللقطة الطويلة (لكن البسيطة) التي ترصد فريدي وهو يحاول الاختباء بلقطة أخرى تُظهِر مشهد غروب الشمس في خلفية المركب تحت جسر «غولدن غيت»، وتحمل هذه الصورة جمالاً سوداوياً مدهشاً.

العلاقة المتقلبة بين فريدي الجامح ودود (يناديه تلامذته الذين يشبهون أتباع علم السيانتولوجيا باسم «المعلم» Master) هي التي تسيّر فيلم أندرسون. لكنّ هذا العمل لا يطبق أي قاعدة من قواعد كتابة السيناريو المألوفة. ما من توبة سهلة أو عقاب عادل بالنسبة إلى أحد، بل تبدو النتائج دقيقة من الناحية التاريخية مع أنها تبقى مختلفة بالكامل عن الانطباعات التي نعرفها (سواء كانت دقيقة أو خيالية) بشأن الولايات المتحدة في منتصف القرن العشرين.

 تشارك في الفيلم أيضاً إيمي أدامز بدور زوجة دود، بيغي، الموالية بشدة لديانة «القضية». مثل جميع أفلام أندرسون (من بينها فيلمه السابق There Will Be Blood)، يعرض The Master قصة عن عائلة لا تستطيع  الصمود.

كاميرات غريبة

صوّر أندرسون (42 عاماً) معظم لقطات فيلم The Master بكاميرات غريبة وشبه منقرضة يبلغ طول أشرطتها 65 ملم، ما يوفر صورة غنية على عرض الشاشة. يتم عرض الفيلم وفق نظام إسقاط بحجم 70 ملم، وهي المرة الأولى التي تُستعمل فيها هذه التقنية منذ فيلم Hamlet لكينيث براناه في عام 1996.

تحدث أندرسون عن عمله حين كان يتناول الطعام في جناح الفندق خلال مهرجان تورونتو السينمائي الدولي فقال: «نحن لم نفكر بهذا الأمر كثيراً. حين كانت المشاهد المصورة بأشرطة طولها 65 ملم تبدو جيدة وحين بدأنا نصور مشاهد إضافية بهذه التقنية، لا أتذكر أنني فكرت بتجربة التصوير بتقنية 70 ملم. بل أدركتُ في النهاية ضرورة تخفيض الطول بـ35 ملم. مرت فترة طويلة منذ أن صنعتُ فيلماً (صدر There Will Be Blood في عام 2007)، لذا لم أكن أدرك كم تغيرت الأمور بفضل تقنية الإسقاط الرقمي. عام 2007، كان الجانب الرقمي يقتصر على 15 أو 20% من العمل. أما اليوم، فهو يتراوح بين 85 و90%». يستعمل The Master تقنيات قديمة ولكنه يُعتبر في الوقت نفسه معجزة حقيقية».

صحيح أن الفيلم مستوحى من عوامل كثيرة، بما في ذلك أولى مؤلفات جون شتاينبك وقصة عن بحار كان أندرسون قد سمعها من جيسون روباردس خلال تصوير Magnolia، لكن يعرض The Master تفاصيل حول علم السيانتولوجيا بما يكفي لإثارة ضجة حول العمل. يصف الفيلم شخصية دود الشبيهة بِرون هابرد كونه يروّج لعلاج بالتنويم المغناطيسي بهدف نقل المؤمنين إلى حياة سابقة وعوالم أخرى. أثار هذا العمل عدداً هائلاً من الأسئلة حول مبادئ السيانتولوجيا خلال مهرجان تورونتو. لكن يعترف أندرسون بأنه سئم من هذه الأسئلة... بل إنه ضاق ذرعاً بها!

لم تُعرَض مشاهد كثيرة من تلك التي صورها أندرسون في النسخة الأخيرة من الفيلم. ولم يُصوَّر جزء كبير من ما كتبه، وهذا ما يحصل في أفلام واعدة كثيرة. في فيلم The Master، كتب أندرسون مشاهد تكشف عن أهوال المعركة في جنوب المحيط الهادئ وقد اعتبرها أندرسون «مشينة»: «لم نكن نملك المال الكافي لتصويرها!».

كذلك، كتب مشاهد خاصة بالعملية النفسية التي يقوم بها دود وبالقواعد التي يطبقها، فكان ينقل الناس إلى ذكرياتهم الدفينة خلال الطفولة وإلى حياتهم السابقة. عرضت إحدى مسودّات العمل تصوراً معيناً عن تلك القفزات الزمنية، مثل مشهد شابة تستلقي على أريكة ثم نراها في إيرلندا في القرن الثامن عشر وهي تتعرض للاغتصاب على يد جنود بريطانيين، أو مشهد شاب يتخيل نفسه في الفضاء حيث تنعدم جميع الأصوات. لكن لم تُصوَّر تلك المشاهد في نهاية المطاف لأن المخرج شعر بأنها ستكون مصدر إلهاء. فالفيلم يركز في المقام الأول على قصة فريدي.

أندرسون لديه ثلاثة أولاد من شريكته الممثلة مايا رودولف (برنامج Saturday Night Live، فيلم Bridesmaids). هو لا يبدو زعيم طائفة معينة. لكن حين تتحدث الممثلة أدامز عن أسلوبه في الإخراج، تبدو غامضة لكن معجبة بعمله في الوقت نفسه.

تقول أدامز: «لا أحد يرغب في رفع الستار والكشف عن سر الغموض. هكذا أشعر تجاه بول. أعترف بأنني تفاجأتُ بحس الفكاهة لديه. بول شخص صادق وهو يطلب الصدق من الأشخاص في محيطه. لديه القدرة على أخذنا إلى مكان معين من دون أن ندرك كيف وصلنا إلى ذلك المكان».

لقطات طويلة

من الناحية البصرية، يقودنا أندرسون إلى ذلك المكان المدهش (بغض النظر عن طبيعة ذلك المكان) من خلال لغة الفيلم التي تركز على اللقطات الطويلة والمفصلة، لكن السلسة، والتي تشمل عدداً غير مألوف (بالنسبة إلى القرن الواحد والعشرين) من الكاميرات وحركات مدروسة للممثلين.

يقول أندرسون: «أنا أطبّق ما يخطر على بالي وأحب ذلك. أنا أشاهد الأفلام على قناة «تيرنر كلاسيك» (Turner Classic) في مطبخي في جميع الأوقات... على مدار الساعة! لقد ربيتُ وأنا أشاهد هذا النوع من الأعمال. بعض أساليب الإخراج محفورة في داخلي. يصعب استيعاب بعض المشاهد مثل فترة الغروب في خليج سان فرانسيسكو، ولكنها تبقى مُرضِية وجميلة. لكن إذا لم يشاهدها الناس، قد تتحول المشاهد إلى مجرد لقطات مدروسة تفتقر إلى العفوية».

ثم يتابع قائلاً: «قد أكون كاتباً جيداً جداً أحياناً، لكني أميل إلى السرقة. إن كتابة السيناريو هي شكل من أشكال الكتابة المزيفة».

بحسب رأيه، يمكن التوصل إلى نتائج مُرْضِية في عالم الأفلام من خلال البحث ثم التوقف عن البحث والابتكار في الوقت المناسب: «أنا أتابع الكتابة طالما يكون البحث مثيراً للاهتمام وطالما يكون المال متوافراً».

في الشهر الماضي في شيكاغو، عرض أندرسون في مسرح «موزيك بوكس» مقتطفاً عن فيلمThe Master بتقنية تصوير 70 ملم. ركزت المقالات في صحيفتي «تايم أوت شيكاغو» (Time Out Chicago) و»شيكاغو تريبون» (Chicago Tribune ) على اللغز وراء فيلم The Master وعلى تراجع عدد النسخ المتوافرة بتلك التقنية.

منذ عرض شيكاغو ومنذ نجاح الفيلم في البندقية، «انقلب الوضع لصالحنا» بحسب قول أندرسون: «بما أن جميع الموزعين الدوليين يأتون إلى البندقية لمشاهدة العرض بتقنية 70 ملم، فهم يفهمون رؤية العمل. ثمة شاب يهتم بتسويق الفيلم في روسيا، وقد جن جنونه بما رآه وكان يخبرني كل شي عن الاستعدادات لعرضه هناك بتلك التقنية: «ماذا يمكننا أن نفعل؟ كيف يمكن أن نتأكد من عرضه بتقنية 70 ملم؟»... لا شك في أن تغطية الفيلم في شيكاغو ولّدت رغبة جامحة في تقديم العرض بالشكل نفسه ووجهت الناس في الاتجاه الصحيح».