هل سبق لك أن سافرت إلى بلد ما، وعدت من رحلتك لتُفاجأ بأن تهمة الخيانة تُطاردك، وأن ثمة من يُشكك في وطنيتك وعقيدتك؟
أغلب الظن أن هذا ما حدث للوفد الشعبي المصري الذي سافر إلى إيران، وضم نخبة من السينمائيين والمبدعين، في سياق المساعي الحميدة المبذولة بعد ثورة 25 يناير لتطبيع العلاقات «الثقافية» و»الفنية»، وتضييق الفجوة بين الدولتين وتوسيع مساحة التلاقي بين مثقفي ومبدعي البلدين، فضلاً عن التواصل مع رموز السينما الإيرانية، والوصول إلى أرضية من التعاون المشترك، ومن ثم إقصاء وتحجيم الفصيل المعارض لعودة العلاقات إلى طبيعتها، بعد قطيعة غير مفهومة استمرت زهاء 33 عاماً!وصفت وسائل الإعلام الإيرانية الوفد بأنه الأضخم الذي يصل إلى طهران بعد الثورة، والزيارة التي امتدت قرابة الأسبوع بأنها الأكبر، وتشكل الوفد من: منسق الدعوة الفنان الكبير عبد العزيز مخيون، الفنان أحمد بدير، نقيب الممثلين الفنان أشرف عبد الغفور، نقيب السينمائيين مسعد فودة، نقيب الموسيقيين المطرب إيمان البحر درويش، مدير التصوير السينمائي محمود عبد السميع، المنتج محمد فوزي، الفنان وأستاذ الإخراج فاروق الرشيدي، بالإضافة إلى رئيس جهاز السينما ورئيس قطاع الإنتاج في مدينة الإنتاج الإعلامي، وعدد من المهتمين بصناعة السينما المصرية... وزار الوفد مواقع تصوير عدد من الأعمال الفنية الإيرانية، وتعرف إلى الإمكانات الفنية وأوجه الدعم الذي تقدمه الدولة للحركة الفنية هناك، باعتبارها «القوة الناعمة» التي لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال.أنهى الوفد المصري زيارته التي وصفت بأنها إيجابية ومثمرة، وفور عودته إلى الأراضي المصرية كان في استقبال أعضائه، الذين قيل إن عددهم بلغ 40 شخصية، تقرير رفعه جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) إلى رئيس الجمهورية يُطالبه فيه استباقياً بالتدخل لمنع الزيارة، بحجة أنها «قد تؤدي إلى فتح مجال للمد الشيعي في مصر»، وهو اتهام جديد من نوعه لا يقل في خطورته وبشاعته عن تهمة «الخيانة العظمى»، التي توجه «لمن يُتهم بعدم الولاء، والعمل ضد مصالح الدولة، والاتصال بدولة خارجية بهدف تقويض الأمن والاستقرار»!المُدهش أن فريق المثقفين والمبدعين سافر بناء على مبادرة شعبية، وفي مهمة فنية في المقام الأول، ولم تخرج الزيارة، حسبما أكد أعضاء الوفد، عن إطارها المرسوم لها (زيارة الأستوديوهات الفنية ولقاءات مع رموز سينمائية وبحث لأوجه التعاون المشترك)، وكانت هناك رغبة حقيقية في إعادة الحياة إلى العلاقات المصرية – الإيرانية، ولم الشمل وإجهاض المؤامرات التي تستهدف تكريس الفرقة والإيقاع بين الشعوب العربية والإسلامية. فمن الذي يرفض مثل هذا التوجه النبيل؟ وأي جهة تلك التي تسعى إلى إجهاضه؟أفهم أن يصدر التحذير عن جماعة دينية لا تُخفي ولاءها وانتماءها إلى طائفة أو مذهب بعينه، لكن صدور التقرير عن جهاز أمني ترك مهمته الرئيسة في تأمين البلاد من الأخطار ودرء المؤامرات التي تُحاك، بتدبير مُحكم من دوائر وشبكات صهيونية، كي يتفرغ لملاحقة وفد من الفنانين في زيارة لدولة إسلامية، ولا يتورع عن تحريض «النظام» ضد أفراد الوفد، في حال توقيع اتفاقات فنية يرى فيها، حسبما جاء في التقرير الأمني، تهديداً للأمن القومي، هو نوع من العبث الذي لا يُحتمل... ولا يُصدق!عبث خطير، بكل تأكيد، أن يقول «التقرير الأمني» إن الوفد الذي سافر إلى إيران ضم بين أعضائه قيادات ومسؤولين مثل: رئيس اتحاد المنتجين العرب ورئيس جهاز السينما ورئيس قطاع الإنتاج، بما يعني أنهم «أصحاب قرار» قادرون على تمرير اتفاقات التعاون في مجال الإنتاج الدرامي، التي تُمكن إيران من «نشر التشيع على نطاق واسع في مصر»؛ فالتحذير بهذا المعنى يُشكك في ذمة ووطنية وعقيدة شخصيات لها رصيدها من الوعي والاحترام والتحلي بالمسؤولية، كما يوحي باتهامهم بأنهم مجرد «عرائس ماريونيت» في أيدي أطراف خارجية، وأن من الجائز إخضاعهم لعملية «غسيل مخ» بواسطة جهات لا تستهدف صالح البلاد، وهي الاتهامات التي لا يمكن قبولها، ليس فقط لأنها تمثل تخويناً وتجريحاً سافرين لهذه الشخصيات، بل لأنه يوحي، وهذا هو الأخطر، بأن الوفد زار إسرائيل، وليس إيران!لا أبالغ في القول إن التقارير الأمنية التي حذرت وحرضت ضد الوفد والزيارة، ما كانت لتصدر لو أن الزيارة خاطبت ود إسرائيل، ولو أن الوفد ذهب إلى «تل أبيب» لتطبيع العلاقات مع الدوائر الإنتاجية، وإبرام اتفاقات تعاون مع رموز السينما الإسرائيلية، فأي هوان نعيش؟ وأي خلط للأوراق نرى؟
توابل - سيما
فجر يوم جديد: الخيانة العظمى !
26-11-2012