لم يكن انطلاق «نوفا بلس» في معرض الكتاب الأخير حدثا جديدا، أو استثنائيا، فقد سبقتها في الأسلوب و»التكنيك» التجاري ذاته دار أخرى هي «بلاتينيوم بوك»، كلتا الدارين قامت على سواعد شبابية، واستقطاب أكبر لهذه الشريحة العمرية التي يبدو أنها فقدت البوصلة بين الأدباء من الأجيال السابقة، وبين المؤسسات الرسمية ذات الرؤية «المتحجرة» في بعض الأحيان، وهي رؤية لا تطابق اندفاع الشباب، نحو الكتابة، بل و»تهوّره» غير المسبوق نحو النشر.
وجد هؤلاء الشباب ضالتهم في هاتين الدارين فأقبلوا عليهما، وسط تعجّب الكتّاب، ومتابعتهم لهذا الأمر الشبيه بـ»الظاهرة»، ولا يخلو حديثهم في أروقة معرض الكتاب أو خارجه من انتقاد لإصدارات هؤلاء الشباب، التي يشوب بعضها أخطاء لغوية وأسلوبية واضحة. إذاً فقد وجد هؤلاء الشباب ضالتهم، وأطلقوا العنان لخيالهم، وأسلموا خواطرهم حبيسة الأدراج لناشرين شباب، يماثلونهم في العمر، وقد يتفقون معهم في الرؤية والتفكير، وبالتالي بدأ هؤلاء يصنعون قراءهم، وينتشرون في مجتمع جديد مواز لمجتمع آخر، منبثق أو نابع من طريقة أخرى، تكاد تصبح تقليدية الآن.الكاتب الشاب خالد النصرالله، وهو أحد مؤسسي»نوفا بلس» عبّر عن تفاؤله بالانطلاقة القوية للدار، داعيا الكتاب الكبار إلى الإسهام فيها بنشر مؤلفاتهم، وألا يتركوا الأمر للشباب وحدهم. وهي دعوة برأيي صائبة وتستحق التوقف عندها، فما الذي يمنع جيل التسعينيات في الكويت، وهو الجيل الأكثر ملامسة للحداثة ومتطلباتها من أن ينشر مؤلفاته في هذه الدار، وليس فقط جيل التسعينيات، بل يمتد الأمر إلى الأجيال السابقة والكتاب «المخضرمين» الذين مازال وجودهم فاعلاً ومؤثراً في المشهد الثقافي المحلي، ما الذي يمنع هؤلاء من التفاعل مع شباب «نوفا بلس»، وتقديم المشورة والنصح لهم، بل ونشر بعض إصداراتهم عندهم من قبيل التشجيع، وفكرة تلاقح الأجيال والثقافات، يستفيد هؤلاء من أسلوب العرض الحديث الذي تتبعه الدور الشبابية، وجمهورهم الذي بدا غفيرا وفي تزايد مستمر، وفي المقابل يستفيد الشباب من خبرة الكتّاب الكبار، ومن أسلوبهم في الرواية والقص.تختلف «نوفا بلس» في بعض جوانبها عن «بلاتينيوم»، فهذه الأخيرة تصرّ على الطابع الشبابي لإصداراتها وقرائها، في حين تتجه «نوفا» إلى استقطاب جميع الفئات العمرية وليس الشباب فحسب.أدرك يقينا أن في الكويت دور نشر أخرى، ربما تبدو أقرب إلى «مزاج» وثقافة جيل التسعينيات من حيث النشر والتعامل كما هي الحال مع دار «مسعى» التي يديرها الشاعر محمد النبهان، وتحقق تواجدا نوعيا في منطقة الخليج كافة وليس في الكويت فحسب، وكذلك «دار الفراشة» بإدارة فهد الهندال وإستبرق أحمد، ويمكن أن نضيف إليهما مكتبة آفاق التي استقطبت عددا من الدراسات الأكاديمية والإصدارات الأدبية المميزة، بل إن «آفاق» بدأت الاتجاه الجاد نحو تفعيل الحدث الثقافي في الكويت من خلال إقامة ندوات أدبية، وحفلات توقيع متواصلة للإصدارات الحديثة، وأما مكتبة العروبة فهي جامعة لجميع الإصدارات، ويرتادها معظم من لهم علاقة بالشأن الثقافي للبحث عن ضالتهم من الكتب الحديثة أو تلك النافدة في الأسواق.يصبّ وجود هؤلاء جميعاً في صالح الحدث الثقافي، وبرأيي أن هذا الحراك حيوي، ودليل عافية، وليس من مجال للصراع، فلا يمكن لأي من هذه الدور أن تُلغي الأخرى، كما لا يمكن لجيل أن يُلغي سابقه، أو يعيش على أنقاضه، فنحن بحاجة إلى التفاعل، وإسداء النصيحة لبعضنا بعضاً، خصوصا جيل الشباب، وقد كان النصرالله لافتا في دعوته إلى هذا التفاعل، بل إن طموحه يرتقي إلى أن تُصبح هذه الدار منطلقا لورش أدبية، وحاضنة لفاعليات ثقافية... فبقليل من الجهد في الانتقاء، وتوفير مدققين لغويين، ومستشارين «مخضرين» لهذه الدور الشابة ربّما يتوافر لدينا كتّابٌ لا يُستهان بهم، فلم لا نؤازرهم، ونشدّ على أيديهم؟
توابل - ثقافات
لمَ لا نؤازرهم؟!
16-12-2012