اصطيافنا واصطيافهم
هناك فرق واضح مابين المصطافين العرب والأجانب، أي السياح العرب والخليجين والأجانب وهم القادمون من أوربا أو من اليابان والصين وبقية القارات.مفهوم الاصطياف والسياحة نجده مختلف تمام الاختلاف ما بين الفئتين، سواء كان في السلوك الظاهر أو الباطن، في المظهر أو في الجوهر، في العادات والتقاليد، والتعامل مع الآخر واحترام فجوة الاختلاف ما بين تنوع الثقافات وتعددها.
المقارنة ما بينهما بصراحة غير متكافئة، فهناك اختلافات في السلوك العام واضح جدا ولا يختلف عليه أحد، وللأسف كفة السلوك الحضاري والأخلاقي تميل إلى صالح السائح الغربي، بينما يتدنى هذا السلوك الحضاري إلى درجات أحيانا تصل إلى الحضيض مع بعض العرب.فمفهوم الوعي الثقافي الحضاري متفاوت ما بين الفئتين، وهذا لا ينفي أن هناك سياح عرب يدركون الهدف والغرض من الاصطياف والسياحة، ولا يقلون وعيا وثقافة عن الآخر لكنهم لا يمثلون الأغلبية التي تتوافد على المصايف المنتشرة في العالم. فهدف السياحة مختلف من أساسه ما بينهما، وجدول الاستفادة من السفر والرحلة أيضا له توجهات مختلفة فيما بينهما، فالسائح الأوربي مثلا يأتي بميزانية محددة ببنود محسوبة بدقة، مثل الإقامة والأكل والتنقل ومصروف الإطلاع على الوجهات الترفيهية والثقافية والطبيعية الموجودة في المكان، ولن يزيد إنفاقه عن ما حسبه وأعده في ميزانيته، وذلك عكس المصطاف العربي الذي يأتي بميزانية محددة ثم تتخطاها مصاريفه بمراحل لم يكن يتوقعها، وهذا البند خاص بالمصطافين الخليجين الذين تتجاوز مصروفاتهم كل توقعاتهم بسبب التسوق غير المحسوب حسابه بشكل واع،و مشتريات السائح الغربي صور أو تذكارات بسيطة، كما انه لا يتخلى عن أي مناسبة تقدم فيها عروض ترفيهية لحفلات موسيقى عامة إلا ويحضرها، وذلك عكس المصطاف الخليجي الذي لا يذهب للعروض والاحتفالات التي تٌقدم بالمجان، ربما يعتبرها بلا قيمة لأنها «ببلاش»، كما أن ثقافة الموسيقى الكلاسيكية ليست من ضمن اهتماماته، و زيارة المتاحف ومعارض الفنون بأجمعها، واكتشاف الطبيعة ومعجزاتها، أيضا ليست من اهتماماته.السائح العربي والخليجي بالذات كل ما يرغب فيه، مكان بارد فيه الكثير من بني جنسه، ليحلو الجلوس والكلام والثرثرة في شؤون السياسة والكرة والدين، وليتحول أي مكان إلى ديوانية تضج بصخب التعارض والاختلاف في الآراء من دون أية فرجة تسمح بقبول الرأي الآخر، ومن دون أي مراعاة لوجود النزلاء الآخرين الذين لهم الحق بالتمتع بالجلوس بذات المكان الذي احتلته المجاميع العربية والخليجية وحولته إلى مقهى خاص بها وبضجيج سلوكها الذي يطرد الآخرين إلى أبعد نقطة في المكان ليحظون بالقليل من السكون والراحة بعيد عن غوغائية السلوك الهمجي غير المتفهم و غيرالمهتم بغيره، والغريب فيهم هذا السلوك المرتاح إلى أقصى حد وكأنهم في بيوتهم أو حتى غرف نومهم، فهم يتصرفون باسترخاء لا يحسب حساب أي أحد.يجلس الأجانب بهدوء ليرتشفوا مشروباتهم وبالكاد تسمع أصواتهم أو ضحكاتهم، بينما زلزال الأصوات العربية وقهقهاتهم ومنجزات نقاشاتهم تكاد تهد سقف المكان، ولا تجد أحدا منهم منزوي بكتاب، فالقراءة آخر همهم، في حين نجد أن الكتاب لا يسقط من يد السائح الأجنبي الذي يوظف الوقت ويستفيد من كل دقائقه، والقراءة الوحيدة التي يمارسها العرب هي التحدث بالشات على الانترنت بالساعات غير المحدودة بحيث يؤدي استعمالهم اللامحدود إلى وقوع شبكة الانترنت وعدم تغطيتها للجميع مهما كانت قوة الشبكات وليس شبكة واحدة فإنه لا محالة من سقوطها.وحين يأت الليل وما أدراك بالليل الذي يتغندر فيه الرجال فقد حان وقت سهراتهم من دون صحبة نسائهم، وذلك للتفرغ لملاهي السهر وكازينوهات الفرفشة والقمار أو على أقل تقدير جلسة مقاهي الآراجيل، وليتركن النساء بصحبة أطفالهن وبعضهن بعض، وربما أغلبهن يخبئن الحسرة بقلوبهن خاصة عندما يشاهدن النزلاء الأجانب لا يتركون زوجاتهم، دائما هم في صحبتهن خطوة بخطوة وكأنهم يكتشفوهن للمرة الأولى، أو أنهم يعيشون في شهر عسل جديد يقطفونه معا.سياحتنا وسياحتهم بالفعل هي بحاجة لدراسة سيكولوجية لفهم سلوكنا الذي لا يتأثر بتغيير المكان، والذي نحمله على ظهورنا أينما حللنا وأينما كنا قادرين على فرضه على الآخرين أن قبلوا أو لم يقبلوا فعليهم أن يتقبلونا، لأننا شعوب لا ُتهجن ولا تحترم ثقافة الآخر.