الغُرْبة... الاغْتِراب

غ ر ب: تغرب واغترب بمعنى فهو غريب وغُرُب بضمتين والجمع الغرباء، والغرباء أيضاً الأباعد، واغترب فلان إذا تزوج إلى غير أقاربه! والتغريب النفي عن البلد، وأغرب جاء بشيء غريب، وغربت الشمس بعدت وتباعدت. (مختار الصحاح)

ما هي الغُرْبة؟ السفر والرحيل من بلدك... الانتقال من مكان إلى آخر... التواجد مع أشخاص لم تقابلهم من قبل... المعيشة في مجتمع لم تولد فيه ولم تنشأ بين أفراده.

قد تكون الغربة في أحد هذه التعريفات أو هي مجتمعة مع بعضها، لكن هناك نوعاً آخر فريداً من الغربة، وهو الغربة الفردية أو الاغتراب (وإن كانت المعاجم اللغوية تساوي بينهما)، وهي أن توجد في مجتمعك وبين أهلك وأصدقائك ورغم هذا تختلف أفكارك وآراؤك وسلوكك عنهم إلى الدرجة التي تشعر فيها أنك غريب بينهم فيكون الاغتراب الفكري، وهو أشد قسوة ومرارة للنفس من الغربة الجسدية، فإن كان لآلام الغربة والضيق بها ما يفسرها من وحشة المكان والزمان وافتقاد الأصدقاء والخلان، فلا يوجد ما يهون الاغتراب الفكري. كما أن الغربة قد تكون قدراً مكتوباً لا حيلة لك فيها ولكن الاغتراب بيدك أنت وقرارك، فلا تجعل ألمك بيدك وأنت تملكه وتشغل بالك بالتفكير في قدرك وأنت لا تملكه.

***

إن تجربة السفر والغربة غنية بالخبرات ثرية بالمعارف مليئة بالمشاكل، فاكتسب الأولى بالمشاهدة والاستماع، وتزود الثانية بالممارسة والاطلاع، وتجنب الثالثة بالصبر والحكمة فهما دواء كل الأوجاع.

***

إن امتحان الغربة من أقسى الاختبارات التي يواجهها الإنسان في حياته، وليس السؤال في ما يفوز به أو يكسبه من مال، بل في ما يحتفظ ويتمسك به من قيمه ومبادئه وارتباطه بأهله ووطنه.

***

نعيش الغربة بين آمال وآلام وتبدو الآمال أحياناً أكبر من أن نحقق والآلام أقسى من أن نحتمل والواقع أقل من أن نرضى به وأصعب من أن نغيره...

فهل تقبل أن تكون ريشة في مهب الريح؟.

***

وكالعادة، فللشعر رأيه الخاص في الغربة ونكتفي منها بمثلين:

قم واغترب في الأرض مجتهدا فمن ثوى في بلاده هانا

كبيدق لا يزال محتقرا حتى إذا صـار فرزانا

(فرزانا: وزيرا) ( في لعبة الشطرنج إذا نجح البيدق في الوصول إلى مقدمة الصفوف يمكن ترقيته إلى وزير)

****

ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الـغريب غريب اللحد والكـفن

إن الـغريب له حـق لغربتـه على المقيمين في الأوطان والسكن

لا تنهرن غريبا حـال غربتـه الـدهر ينـهره بالـذل والمـحن