في الحملة المحمومة لتغيير مسار الدولة وإحالتها إلى دولة طالبانية، وإلزام الناس بقشور الدين، وما عفا عليه الزمن مما لم يطبق ولن يطبق من قضايا جاءت بها الشريعة، ولم يعد ممكنا تطبيقها للتطور التشريعي والإنساني والحضاري في عقلية وأداء وتصرف البشر في كل أنحاء المعمورة، فإن رد التشريعات المنافية لحياة القرن الحادي والعشرين لا بد منه، وإيقاف هذه التشريعات بموجب سلطة الدستور يكون هو المخرج من طغيان الأحزاب الدينية الطائفية.

Ad

إن من يسمع المتحدثين باسم الأغلبية في مجلس الأمة ودعاتهم وأئمتهم لأسلمة الدولة وقوانينها ودستورها يظن أننا شعب بلا دين ولم نعرف الإسلام حتى الآن، وأن هؤلاء النواب وأحزابهم هم الذين سيدخلوننا إلى الدين.

لو نظرنا إلى ما يريدون لما وجدنا إلا مزايدات وإهانة للشعب الكويتي، واستهزاء بعقول الناس وإيمانهم. فهم يخرجون أسوأ ما جاء به علماء عصور غابرة ليطبقوه علينا، وقد كفر أولئك العلماء المسلمين منذ ما يزيد على ألف عام، حيث اتهموا المسلمين بأنهم خرجوا على دين محمد، وأنهم فقط من يعرف الإسلام ويعيه، وسنوا قواعد متشددة ومنفرة سرعان ما اندثرت لعدم قناعة الناس بها، ولكن في القرن العشرين عادت تلك الدعوات للظهور، وأخذت الأحزاب الدينية تتنافس في كسب القواعد والأنصار؛ لا حبا بالدين ولكن من أجل السيطرة والمال والنفوذ.

ورأينا في الكويت الأحزاب الدينية تتقاتل لجمع التبرعات والصدقات والزكوات لعضد أحزابها وصرف أموال المسلمين للانتخابات والتدخل في شؤون الدول الأخرى والتخريب في مجتمعات لا تقبل بهم.

إن ما يقوله ويعدنا به ممثلو هذه الأحزاب هو تغيير لدستور الكويت لفرز الناس وإشعال نار الفتن الطائفية، وللقضاء على الدولة المدنية؛ مع أن واضعي دستور الكويت من الكويتيين والخبراء العرب كلهم مسلمون، واجتهدوا لكي تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وقد صاغوا ذلك بحكمة وعن معرفة بما تعنيه الدولة المدنية دون الابتعاد عن الشرائع السماوية، كما بينوا أن تطوير الدستور يكون باتجاه المزيد من الديمقراطية والحرية.

إن الأغلبية التي تسيطر على مجلس الأمة الآن تريد أن تغتنم هذه الفرصة لتعيد صياغة السياسة العامة للدولة باتجاه مختلف عن مقاصد وأهداف الدستور، وإذا لم تقف السلطة التنفيذية في وجهها بما لها من حق دستوري فإننا سندخل في الطور الذي تستعد للخروج منه دول عربية وإسلامية أخرى، بعد أن رأوا الويل من تحكم هذه الأحزاب بحياة الناس، فإننا سنرى زمنا أغبر وحياة كئيبة أسوأ مما نحن فيه، وليس بعيدا أن نرى جماعات الأمر والنهي في شوارع الكويت بوجوهها الكلحة وعصيها المهينة.

إن الفساد المالي المستشري في أعصاب الدولة لا يحل بالدعوات الصالحة، ولا بقوانين تكميم الأفواه، ولا بتأكيد ما هو مؤكد في دين الناس وعباداتهم، إنما بالعمل الجاد في مكافحته بفتح الحريات للصحافة ووسائل الإعلام لكشفه، وبسد الثغرات التشريعية التي جعلت المفسدين يفلتون من العقاب، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني بعملية المكافحة.

إن اهتمام المشرعين بالعبادات فاق اهتمامهم بالدور الأساسي في وجودهم، وأصبحوا عونا للسلطة في هدم الحريات وتحجيم دستور البلاد، ولذلك فإن رد أي قانون يخالف أهداف وروح الدستور ويحيلها إلى دولة دينية يكون من صميم إرادة الشعب، والتزاما بأصول وأعراف العالم في بناء الدولة المدنية.