عظيم أن تحتفل الدولة اليوم (وقت كتابة المقال) باليوبيل الذهبي لميلاد الدستور، ألعاب نارية مذهلة، واستعراضات فنية ونشيد وطني جماعي، كلها تفرح الناس بذكرى ميلاد وثيقة وضعت المعايير القانونية العليا لشكل الدولة ومؤسساتها، ومنذ "تلك الولادة" المتعسرة نوعا ما، والطفل الدستوري يكبر عمرا، ويبلغ، وينضج جسدا، أي بعمره الزمني، أما حياته الواقعية فليست كذلك، فقد كانت نهوضاً في الستينيات، ثم انتكاسات مرضية خطيرة في ما بعد ومحاولات لخنق وقتل الدستور منذ عام ٦٧ عام التزوير وحتى اليوم، ولا حاجة للتذكير بتلك المحاولات القمعية في ٧٦ و٨٠، و٨٦، و٩٠ التي تم خلالها حل المجلس النيابي أو فرض مجلس العرائس (الوطني) سنة ٩٠، إلى طرح مشاريع تنقيح وتفريغ الدستور من شرعية حق الشعب في الحكم، إلى تعليق نصوص الدستور على مشانق السلطة أكثر من مرة، إلى تشريع قوانين تنهش من خاصرة الدستور مثل قانون التجمعات وحظر القضاء عن النظر في مسائل الجنسية، دون أن ننسى أيضاً  مشاريع القوى المتطرفة دينياً واجتماعياً بتحالفاتها السابقة مع السلطة الحاكمة وشروعها في استلاب روح الدستور عبر قوانين تصادر الحريات الفردية، وتغتال حقوق الأفراد في أخص خصوصياتهم مثل قانون العزل بين الجنسين في الجامعة، أو إقرار قوانين المطبوعات والنشر الأخيرة، إلى محاولات تعديل نصوصه كي تكون متسقة مع شرع الله، تمهيداً لفرض دولة الخلافة الإسلامية.

Ad

مسكين هذا الدستور، كان على المقاس المناسب للدولة في سنواته الاولى، واليوم تنظر إليه السلطة وأتباعها على أنه كبير واسع "يخب" على الدولة، وأكبر من مقاسها.

يحتفلون اليوم بالدستور على الطريقة الكويتية، بهرجة إعلامية، و"جراقيات" ينظمها خبراء إيطاليون، وتسويق بهجة شكلية، فيها تصنع ورياء، مع تغييب متعمد لمحتوى وروح الدستور. الشكل أو المظهر الخاوي من الروح هو عقدة دولتنا، وعقدة من هم على شاكلتها في دول  الخليج، هي عقدة الحضارة المادية دون المضمون الروحي، أكبر شارع، أكبر "مول تجاري"، أطول عمارة، والقائمة تمتد في قاموس الأكبر والأطول والأعرض، أرقام غبية تصلح لكتاب غينيس للأرقام القياسية، لكنها لا تصلح لخلق دول مؤسسات، لدينا دولة حديثة من دون قوانين حداثة تحترم الإنسان، ولدينا قوانين تنسجم  في أغلب موادها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لكن ليس لها حظ في الممارسة الواقعية، لدينا نصوص دستورية، لكنها ريشة في مهب الريح، تنفخ عليها أنفاس السلطة وتطوحها  كما تريد... اي دستور، واي عيد ميلاد خمسيني بائس... هرجوا وامرحوا... وعيد ميلاد سعيد...