لا أعلم سر "الصدمة" التي يدعيها الجميع حول الحكم الجزائي لمصلحة شركة "الداو"؛ فلا الطرف الضاغط لإلغاء الصفقة ولا الطرف متخذ القرار خفيت عنهما الشروط الجزائية في العقد، بل كانت محط نقاش علني في مجلس الأمة ووسائل الإعلام.

Ad

ولكن "الاستهبال" وعدم القدرة على تحمل المسؤولية ومواجهة عقبات القرارات هي مجرد عرض أو مثال لأزمة القيادة التي تعانيها الدولة بشكل عام... فالقيادة بالتعريف الحديث يمكن اختصارها بالقدرة على التأثير باتجاه رؤية محددة، وتعتمد جودة القيادة برقي أساليب التأثير المستخدمة وبحجم وفعالية الرؤية.

ونحن- ولله الحمد- لا ينقصنا أساليب التأثير "الراقية"، فالمجلس اعتاد الصراخ والتهديد وما يعتبر أكثر أساليب القيادة بدائية، والحكومة اعتادت الرشوة المادية والمعنوية، وهي أكثر أساليب القيادة بذاءة... ولكن الأسوأ- في رأيي- أن كلا الطرفين يفتقد أي رؤية مستقبلية تؤهله لموقع القيادة التي نصب نفسه عليها.

فالحكومة في ضياع واضح؛ فتارة تود منافسة دبي في السياحة، وتارة تحلم أن تكون مركز الخليج التجاري، وفي أخرى تسعى إلى وقود بديل وصناعات حديثة، وهي في تخبط أعمى في جوانب أخرى، فتود مثلاً تشجيع العمل في القطاع الخاص ثم تبالغ في الكوادر الحكومية، وبعدها تشتكي من معدلات الصرف مقابل المدخول.

أما في الجانب النيابي، فقد أصبح عرفاً فيه الاعتراض والرفض والتدقيق دون تقديم بدائل ملموسة وبدون "تكتل" سياسي واضح يدعم رؤية مشتركة... فالتكالب على الاستجوابات والتحقيقات لا يجاريه أي مجهود جاد باتجاه تشريعات فاعلة وقادرة على إحداث تغيير إيجابي، ولعل تعثر قانون الذمة المالية حتى الآن خير مثال.

ولا يقتصر هذا التخبط والضياع على القيادة السياسية الرسمية، بل يمتد إلى معظم التجمعات والتنظيمات السياسية والمدنية الأخرى، وربما نستثني من تلك الأحزاب السياسية الدينية المنظمة التي تعمل بصمت من أجل رؤية نخشى أن تتحقق.

إن الخوف والتوتر اللذين يسيطران على الجو العام هما نتاج ضياع الوجهة وتجاذب الأطراف كافة باتجاه الهاوية بدلاً من الاتفاق أو حتى التوافق باتجاه رؤية واضحة لوطن جديد أو حتى حل متوسط الأمد لقضايانا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ففي كل دول العالم فساد و"أجندات خاصة" ومصالح فئوية ضيقة، ولكن الدول الناجحة هي الدولة التي تديرها قيادات تحترم عقليات مواطنيها، وتملك الشجاعة والقوة لتحقيق ما تخطط له في المستقبل القصير والبعيد، وتستخدم وسائل التأثير كافة لتحقيق رؤاها بأكبر دعم ممكن... أما تلك التي آثرت الكسب السريع أو إبقاء الحال على ما كان وفقدت دفة القيادة، فكان مصيرها الانقراض... فهل أفلسنا حقاً من قيادي ناجح؟