الانتخابات الرئاسية (1)
"من أجل مصر""من أجل مصر وقعت المعاهدة ومن أجل مصر ألغي المعاهدة". جملة شهيرة قالها مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد قبل ثورة 52 عند توقيعه على إلغاء معاهدة 36 بعد أن سبق توقيعه على إبرامها، ومنذ ذلك التاريخ وجملة "من أجل مصر" يقولها الجميع بحق أو بغير حق... صدقا وكذبا إلى أن جاءت الانتخابات فصار المشهد هزليا، فمن ترشح يعلن أنه قام بذلك من أجل مصر، ومن عاد وسحب ترشيحه يصرح أنه انسحب من أجل مصر، والمرشح الذي يؤيد مرشحاً آخر (لا أدري كيف؟) يفعل ذلك من أجل مصر، ومن لم يكن ينوي الترشح وغير رأيه فعل ذلك من أجل مصر، الكل فعل كل شيء من أجل مصر... فيا مصر الحبيبة كم من الآثام ترتكب وتلصق زورا باسمك؟!
انتهت المرحلة الأولى من السباق الرئاسي بإغلاق باب الترشح، وتقدم 23 مرشحا، وبنظرة سريعة على المرحلة الأولى سنجد خريطة المرشحين تشمل (6) تيار إسلامي, (1) قبطي, (7) نجحوا في الحصول على توكيلات شعبية والباقي تم ترشيحهم من أحزاب, (3) من الفلول, (2) من التيار الاشتراكي اليساري, (2) من التيار الناصري, لم يتم ترشح امرأة واحدة رغم نية إحداهن ولكنها لم تنجح في الحصول على العدد الكافي من التوكيلات الشعبية أو موافقة أي حزب على الترشح باسمه.هذه هي ملامح الخريطة المبدئية للمرشحين الذين تقدموا جميعا للانتخابات "من أجل مصر"، ولكن بالتأكيد مصر مختلفة!! فمصر التي تقدم من أجلها الإسلامي تختلف عن مصر التي ترشح لها الليبرالي، ولا يمكن أن تكون مصر الثوري الذي قضى ليالي وأياما في التحرير هي مصر الفلول الذي كان نائبا لمبارك، ومن كان مبدؤه السمع والطاعة يختلف عمن يؤمن بحرية الفكر والقرار ولكنها لعبة الانتخابات:فالكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكفمن الذي سيفوز بوصال ليلى في النهاية؟ وتقر هي بذلك.هناك بعض الملاحظات السريعة التي يمكن قراءتها من هذه الخريطة، ويجب أن يعرفها الناخبون: * التوكيلات الشعبية ليست دليلا على شعبية المرشح ولكنها دليل على قوة وتنظيم حملته الانتخابية، لذلك فقد يفوز مرشح حزبي (بلا توكيلات) بأصوات أكثر من صاحب الـ70 ألف توكيل.* الخبرة ليست عامل حسم في الانتخابات سواء سلبا أو إيجابا، فقد يرفض البعض المرشح فوق السبعين رغم خبرته وقد يرفض آخرون من هو دون الستين لقلة خبرته.* كثرة المرشحين الإسلاميين ستؤدي بالتأكيد إلى نقص أصوات كل منهم، لذلك أتمنى أن يتفقوا على مرشح واحد.... أتمنى أيضا أن يجتمع الليبراليون والناصريون واليساريون على واحد فقط.* أحزاب كثيرة ليس لها أي وجود في الشارع المصري تقدمت بمرشحين لا فرصة لهم، ولو اشترطت اللجنة مثلا أن من يحصل على أقل من 5% من الأصوات يدفع غرامة مالية كبيرة لانسحب الكثيرون.* لا توجد فرصة حقيقية لأي من مرشحي الفلول "رغم المساندة الإعلامية والعسكرية السرية لهم" وقبول أوراقهم رغم أنه صحيح دستوريا وقانونيا فإنه فاشل وساقط شعبيا ومستفز للكثيرين.* من المرجح أن تكون هناك جولة إعادة بين اثنين فقط "هما من نالا أعلى الأصوات"، وغالبا سيكون أحدهم إسلامياً والآخر ليبرالياً مدنياً ناصرياً.أما أخطر ما يمكن رصده فهو عدم قدرة الجميع (أفرادا وجماعات) على تقبل النتائج كما حدث في الانتخابات البرلمانية، واستمر البعض بعدها في الحديث عن شرعية الميدان بديلا لشرعية البرلمان الذي انتخبه الشعب، فهل سيستمر هؤلاء في رفضهم لنتائج الانتخابات الرئاسية، ويتمسكون بشرعية الشارع؟ أتمنى ألا يحدث.