هل نجح أوباما في استعادة صورة أميركا؟!
اعتمد أوباما سياسة التقرب من العالم الإسلامي عبر 3 محاور: الأول، بدأ زيارته للسعودية قائلاً: جئت إلى مهد الإسلام طلباً للمشورة قبل أن أخاطب العالم الإسلامي، الثاني: أطلق سراح معتقلين في غوانتنامو ووعد بإغلاقه ومنع المحاكمات العسكرية، الثالث: قامت إدارة أوباما بعملية فرز للإسلاميين المعتدلين عن المتطرفين فحاور المعتدلين منهم في أفغانستان وتودد إلى جماعة «الإخوان» بمصر.
الاحتجاجات العنيفة التي عمت العالم الإسلامي واستهدفت المصالح الأميركية احتجاجاً على الفيلم المسيء تشكل أول اختبار لعلاقة أميركا بالقوى الإسلامية الصاعدة في زمن الربيع العربي والتي قامت واشنطن بدعمها وبالذات جماعة "الإخوان" بمصر، كانت هذه الاحتجاجات هي الأعنف في تاريخ علاقة أميركا بالمسلمين، بلغ من عنفها أن قتل السفير الأميركي نصير الثورة و3 من معاونيه في الهجوم على القنصلية الأميركية ببنغازي، وتعرضت السفارات الأميركية في العديد من الدول الحليفة لواشنطن لاعتداءات، وتم إحراق الأعلام الأميركية ورفع أعلام "القاعدة" السوداء، وترديد هتافات التنديد بأميركا والرئيس أوباما وإحراق صوره والمطالبة بمقاطعة البضائع الأميركية وأحرقت مطاعم للوجبات السريعة في لبنان، وتحولت التظاهرات التي استمرت أياماً عديدة إلى اشتباكات دموية سقط فيها المئات من القتلى والجرحى، في باكستان وحدها سقط أكثر من 50 قتيلاً وجريحاً وتم إحراق 4 دور سينما.شكلت هذه الاحتجاجات إحراجاً كبيراً لإدارة أوباما الذي اضطر للتحرك والتدخل للضغط على حلفائه الإسلاميين الجدد- مخالفاً بذلك مبدأه بعدم التدخل والضغط- غاضباً ومعنفاً تقاعسهم في حماية المصالح الأميركية في بلادهم، فاتصل بالرئيس مرسي وبالآخرين طالباً دعمهم وتحركهم، وهو ما حصل عليه سريعاً، إذ سحب "الإخوان" دعوتهم للمليونية، وتم تشديد الإجراءات الأمنية وإقامة الحواجز الإسمنتية لحماية السفارة الأميركية، وقبض على المتورطين في أعمال العنف، وقام الرئيس المصري وقادة "الإخوان" في مصر والمنطقة العربية بحملة إعلامية لترشيد الغضب الجماهيري واستنكار أعمال العنف ومطالبة المحتجين بأن يكون ردهم حضارياً مع ترديد القول إن أميركا لا تتحمل مسؤولية الفيلم المسيء، ومثل ذلك حصل في ليبيا التي انتفضت على المتشددين واعتقلت 50 متهماً بالتورط في الهجوم على القنصلية، وفي تونس تم حظر المظاهرات، وفي اليمن تم تشديد الإجراءات.كانت صدمة الأميركيين كبيرة تجاه ردود الأفعال العنيفة في دول ساهموا في تحريرها من أنظمتها السابقة، وللمرء أن يعجب حصول ما حصل في بلد يعد الأقوى تحالفاً مع أميركا أن يهب المئات من الكويتيين الغاضبين بمشاركة نواب للتظاهر أمام السفارة الأميركية والتنديد بأميركا، ومطالبتها بتقديم اعتذار رسمي ثم محاولة البعض اقتحام السفارة، فيما ردد آخرون (يا أوباما كلنا أسامة) ويأتي النائب محمد هايف محرضاً المتظاهرين قائلاً "صداقة أميركا تحت نعالنا حينما يساء لنبينا"، من كان يتصور هذه الكراهية العميقة المخزونة ضد أميركا في بلد لولا أميركا- بعد عون الله تعالى- ما تحررت من أبشع احتلال عرفه التاريخ؟! أصداء الاحتجاجات انعكست على الساحة الأميركية في سياق الصراع المحتدم على الرئاسة واستغلها خصوم أوباما لانتقاد سياسته الداعمة للإسلاميين، وبيان أنها لم تنجح في تخفيف حدة العداء والكراهية لأميركا، ولم تنجح في تصحيح صورة أميركا لدى المسلمين، ورأى هؤلاء أن أوباما اليوم يدفع ثمن رهاناته على الإسلاميين، وتساءل أنصار رومني: لماذا سيدي الرئيس أوباما دعوت جماعة "الإخوان" إلى البيت الأبيض ومنحت الشرعية لجماعة تريد تدمير أميركا؟ وكيف تدفع لهم 1.5 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب؟ وتساءلت صحف بمناسبة الذكرى الـ11 لأحداث سبتمبر: لماذا ندعم جماعة "الإخوان" وكبار قادتهم مازالوا ينكرون مسؤولية "القاعدة" عن الهجمات ويتهمون اليهود أو الاستخبارات الأميركية بافتعالها؟ وأعادت إلى الأذهان إعلان الرئيس مرسي عام 2007 أن أميركا لم تقدم دليلاً على هوية من ارتكب الهجوم!وظهرت تساؤلات: هل تغير واشنطن سياسة دعمها لجماعة الإسلام السياسي؟ وحمل الكاتب مارك تيسين في "واشنطن بوست"، أوباما المسؤولية، موضحاً أن عجز أوباما عن القيادة بسبب تردده وتخاذله هو السبب الحقيقي للاضطرابات في الشرق الأوسط، في المقابل نشطت الإدارة الأميركية والكتاب والسياسيون المناصرون للحزب الديمقراطي في التقليل من حجم الاحتجاجات، والقول إنها غير مؤثرة في علاقات أميركا بالمنطقة، وحاولوا إقناع الأميركيين أن هذه الاحتجاجات موجهة ضد الفيلم المسيء وليست ضد السياسة الأميركية بالمنطقة، فقال أوباما: إن الجموع الغاضبة لم تقتل سفيرنا في بنغازي! وقالت كلينتون: ما حدث كان نتيجة لفيديو بشع وزع على نطاق واسع، ودافع فريد زكريا عن الإسلاميين المعتدلين وأشاد بالرئيس المصري الذي أدان أعمال العنف ومارس مسؤوليته كرئيس قائلاً: "علينا أن نتذكر أنه- أي الرئيس المصري- يقود أقوى حركة سياسية إسلامية بالمنطقة، وهي أكثر قدرة على إقناع المصريين والمسلمين في كل مكان بأن التسامح ينبغي أن يظهر كقيمة إسلامية أساسية"، ونوه بأساليب تعامل حكومات الربيع العربي مع المتظاهرين، حيث إنها تصغي لشعوبها وتوجهها بخلاف الأنظمة السابقة التي كانت تفرق المتظاهرين بالغاز والرصاص، كما دافع الصحافي برنار غوتا في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عن سياسة أوباما في الانفتاح على الإسلاميين والربيع العربي، وقال إنها ساهمت في خفض مستوى العداء لأميركا!الآن دعونا من هذا الجدل الانتخابي المحتدم حول صورة أميركا في العالم الإسلامي ولنتساءل- بحياد- هل نجح أوباما في تصحيح صورة أميركا لدى المسلمين؟ وهل استطاع كسب قلوبهم؟ وهل تغيرت صورة أميركا في الخيال العربي؟ وهل استعاد صورة أميركا المشرقة وهو الذي نذر نفسه لها؟ لقد جاء أوباما إلى الحكم 2009 وعلى رأس أولوياته، استعادة صورة أميركا في العالم الإسلامي وتصحيح علاقاتها بالمسلمين انطلاقاً من أن تحسين الصورة الأميركية في أعين المسلمين هو أقوى الموانع تجاه ثقافة الكراهية وأعمال العنف التي تستهدف المصالح الأميركية في المنطقة، ومن أول يوم عمل أوباما على سياسة تناقض سياسة سلفه بوش الابن القائمة على فرض الديمقراطية في الشرق الأوسط طوعاً أو كرهاً.اعتمد أوباما سياسة التقرب من العالم الإسلامي عبر 3 محاور: الأول، بدأ زيارته للسعودية قائلاً: جئت إلى مهد الإسلام طلباً للمشورة قبل أن أخاطب العالم الإسلامي، وذهب إلى مصر ليلقي خطابه الشهير من منبر جامعة القاهرة- يونيو2009 – وفيه خاطب المسلمين في كل مكان بقلب مفتوح ويد ممدودة، مؤكداً اعتزازه بالإسلام كدين قدم للبشرية مبادئ وقيماً عليا، وأن الحضارة المعاصرة مدينة للإسلام، وامتدح المسلمين الأميركيين لأنهم حيويون وقال: إنما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وتجنب استخدام كلمة "الإرهاب" مخالفاً سلفه واستخدم كلمة "التطرف العنيف" وجعله من مسؤولية دوله كل يعالجه بأسلوبه، كما قال إن أميركا لن تتدخل لتفرض الديمقراطية، فالشعوب أدرى بمصالحها. الثاني: أطلق سراح معتقلين في غوانتنامو ووعد بإغلاقه ومنع المحاكمات العسكرية واستنكر أساليب التعذيب ونفذ تعهده بالانسحاب من العراق وخفض القوات في الخارج. الثالث: قامت إدارة أوباما بعملية فرز للإسلاميين المعتدلين عن المتطرفين فحاور المعتدلين منهم في أفغانستان وتودد إلى جماعة "الإخوان" بمصر بعد غزل طويل ووسطاء كثر، فأقنعوه أو حاولوا إقناعه بأنهم "الإسلام الوسطي المعتدل" وبإمكانهم- إذا دعمتهم الإدارة الأميركية- أن يعينوها على تصحيح صورة أميركا لدى المسلمين، مع حماية مصالحها في المنطقة، كما أنهم المؤهلون القادرون على كبح جماح المتشددين من الإسلاميين الذين يزرعون الكراهية لأميركا في نفوس المسلمين، كما بينوا أن الدعم الأميركي للأنظمة السابقة المستبدة وللجماعات الليبرالية والعلمانية هو الذي أفرز التطرف العنيف الذي استهدف المصالح الأميركية في المنطقة وشوه صورة أميركا!ختاماً: مع تقديرنا لجهود أوباما إلا أن عنف الاحتجاجات يثبت بجلاء أن صورة أميركا مازالت في نفوس المسلمين غير إيجابية، وأن مخزون الكراهية مازال هائلاً، ويبدو أن أوباما بحاجة إلى مزيد من المراجعة لسياسته في المنطقة.*كاتب قطري