أين هي الدولة؟
أيقظ نواب الغم بجلسة الخميس الماضي أرواح موسوليني والجنرال فرانكو وغيرهما من رموز الفاشية الأوروبية من قبورهم، وزفوا لهم بشرى بأنكم ليس وحدكم في التاريخ يا عتاة الفاشية الأوروبية، بل لنا وجودنا ومستقرنا هنا في برلمان البؤس الكويتي، ولنا مكاننا الأكيد في تراثنا الغابر وأشكال أنظمة حكمنا المختلفة. فلم تكن سالفة المغرد المتهم بالاعتداء على الرسول وأهل بيته غير "زلقة بطيحة" وضرب عصفورين بحجر واحد، عند هؤلاء النواب المطالبين بإيقاع حد الردة على المغرد المتهم، وكأنه يوجد في قانوني الجزاء أو المطبوعات حد للردة، كي يستتاب المرتد مثلما بشرنا وزير الأوقاف والعدل! كانت فرصة لهؤلاء النواب ومن والاهم في تجمع الإرادة حين حرقوا علم الجمهورية الإيرانية أن يشعلوا نيران "الغضب" والكراهية الدفينة في مشاعر الجمهور السني ضد إخوانهم الشيعة، ولم تكن دعوة النواب المطالبين بالرقابة على الحسينيات أو مساجد الشيعة غير تحريض فج لنفي الآخر المسلم الجعفري اليوم، وبالغد نفي وإعدام كل من همس ولو بكلمة واحدة ضد مملكة الاستبداد لفقهاء المجلس ومريديهم. وضعت كلمة "غضب" بين قوسين كي أنبه القارئ إلى أن الفكرة الفاشية تقوم بداية ونهاية على استغلال حالة الغضب عند أقلية من الناس، ثم تنقله إلى جماعات أكبر لتصل في النهاية إلى الجمهور الشعبي العريض! هكذا فعل هتلر عندما استثمر "الغضب" الألماني على اتفاقية فرساي حين فرضت التعويضات على ألمانيا، وتم إلحاق إقليمي الإلزاس واللورين لفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، وقبل هتلر بسنوات بسيطة فعل مثله موسوليني في استثمار غضب الجمهور الإيطالي على الكساد الكبير في نهاية عشرينيات القرن الماضي، وبالمناسبة، لنا مقاربة لفظية تحت اسم "الفساد الكبير" في الكويت حين يستغل العجز المزمن بالدولة في مكافحة الفساد المالي، لترفع أعلام الفاشية و"كتائبها" ضد الآخرين شيعة أو بدوناً أو ليبراليين ثم الأجانب عرباً كانوا أو غير "خليجيين"، ألا تستحق أغنية "أنا الخليجي" أن تكون النشيد الوطني للفاشية الجديدة هنا! قضية المغرد المتهم بالإساءة للرسول كانت أعظم مناسبة لإخضاع شيعة الكويت لوصاية علماء المجلس، وليس بالبعيد، لا قدر الله، وضعهم في الأيام القادمة بمعسكرات اعتقال خاصة، تمهيداً لـ "هولوكوست" (محرقة اليهود بألمانيا النازية) أو القتل حسب الهوية في مخيم صبرا وشاتيلا بصورة أخرى، أليست كتائب الأمس اللبنانية مستنسخة من كتائب الحزب الفاشي الإيطالي! دائماً توفر الأقليات العرقية أو الدينية الحالات الكاملة كقرابين يمكن تقديمها على مذابح الغضب الجماهيري. أسأل أين سلطة الحكم اليوم مما يحدث في جريمة تقطيع رحم هذا الوطن الصغير؟ هي تقف كمتفرج خجول، أو كشخص تائه وخائف لا يعرف ماذا يصنع في تيه الأصوليات المتشددة وربيعها المقيت. أين هي الدولة الآن وأين هو حكم القانون؟ نسأل أهل الذكر الخيرين عنهما.