بات من الواضح جدا أن المستقبل القريب سيحمل تغيرات كبيرة للجنس البشري، ستغير من تركيبة جيناته وشكله وستزيد من قدراته ومستوى كفاءتها التي ستنقل النشاط الإنساني حتماً إلى أوضاع مختلفة تماما عن ما نعيشه الآن، فالبحوث القائمة على قدم وساق، والتي لا تهدأ ولا تتوقف حتى لالتقاط الأنفاس وللتأكد من جدوى هذه الاختراعات والإنجازات ومدى ملاءمتها للتجارب التي تُجرى عليها.

Ad

هذه الاختراعات باتت تعم كل المجالات التي تهم حياة الإنسان وحياة المجتمعات التي يعيش فيها، سواء كانت على سطح الأرض أم في باطنها أم في البحار والأنهار أم حتى على سطح الكواكب القريبة وربما البعيدة أيضا، فلا نعلم المدى الذي ستنتقل إليه الحياة بعد التغييرات التي ستحدثها هذه الاكتشافات العلمية وما يترتب عليها من خطوات لتجارب تجر بعضها وراء بعض بفضل حتميتها وتراتب صعودها المستقبلي.

وبعد التجارب الناجحة في زراعة أطفال الأنابيب، والنجاح في اختيار جنس الجنين، والتخلص من الجنس غير المراد خاصة تلك الأجنة المصابة بأمراض أو إعاقات لا شفاء لها، حيث أصبحت هذه العمليات معتادة وعادية جدا وقضت تقريبا على مفهوم العقم، حتى بات الحمل متاحا للأغلبية.

كما بات تغير وتحويل الجنس البشري أمر سهلا جدا، إذ تتم الآن عمليات في أغلب مستشفيات العالم لتحويل الذكر إلى أنثى أو العكس، وأحيانا يُطلق عليها تصحيح وضع، لكنها في الغالب هي تغير للجنس المخلوق بكامله بعد تغيير جميع هرموناته، وما يجري على تغير الجنس أيضا طال تغيير الشكل فأصبحت العمليات التجميلية قادرة على خلق مخلوق جديد لا يمت بصلة إلى ما كان عليه الانسان من قبل، وبتنا نرى أشكال الناس من حولنا تتغير حسب موضة المواسم، وننظر إلى وجوههم فلا نكاد نعرفها، ولولا أصواتهم التي تُبقي الذاكرة مربوطة بهم لمُحيت علاقة زمن معرفتنا بهم، هذه العمليات نفعت من هم بحاجة حقيقة لتصحيح بعض التشوهات الخلقية التي بإزالتها يصحح الوضع الخطأ وتمنح سعادة وحالة رضا للمعالج، لكن الأمر تعدى وضع العمليات التصحيحية ليصبح حالة من البطر وعدم الرضا بمنحة الخالق، فكل من يملك المال الآن يقوم بهذه العمليات التجميلية ليصبح أجمل وأفضل مما كان عليه، بحيث بات من الصعب معرفة الجميل جمالاً طبيعياً ومن هو جميل بفعل العمليات التجميلية خاصة النساء، وهن الفئة الكبرى التي تنطوي تحت هذا البند.

الآن جاء دور تغيير درجة الذكاء البشري الذي سيعمل أيضا على مساواة الأفراد الأذكياء بالأقل ذكاء أو حتى بعديمي الذكاء، وهناك عمليات تُجرى الآن في طور التجارب المتقدمة وكُتب عنها في شبكة الانترنت وبُثت على بعض المواقع التلفزيونية، قام بها أطباء حيث قاموا بزرع شرائح كهربائية في المخ تعمل على زيادة تفعيل وزيادة الإدراك في مستوى الذكاء لدى الإنسان، مما سيغير من درجة الفهم والاستيعاب لديه بشكل يرفع من ذكائه بدرجة متقدمة.

وهنا سيأتي دور من هو الذكي الطبيعي ومن هو الذكي بالشريحة المزروعة؟

أي إنه لن يكون بالإمكان معرفة الذكي الموهوب الطبيعي ومن هو مصنوع بالشريحة، كما أنه لن يكون بعد اليوم من هو ليس بذكي.

ولا أعلم إن كان مقدرا لهذه الشريحة لسبب ما أن تتوقف أو تتعطل أو تتخبط وتبث معلومات مشوشة وغير منضبطة فجأة عند العمل في موقف حساس ودقيق جدا، عندها ماذا سيكون ردة فعل صاحبها، وماذا ستكون النتائج المطلوبة؟

وفي هذه الحالة أيضا ستنحاز التكنولوجيا لمن يملك المال ويقدر على شراء الذكاء الصناعي الذي لن يقدم بالمجان ولن يُهدى لمن لا يملك ثمن امتلاكه، وهو الفرق ما بين العطاء الإلهي الذي هو وهب بلا تحيز وبلا ثمن مدفوع وهو الذي سيمكن الفقراء من امتلاكه بلا أي ثمن، وهي عدالة عطاء الرب لهم حين تصبح الاستفادة التكنولوجية حكرا على الأثرياء وعنصرية الحياة تفضلهم وتميل لمصلحتهم وتخصهم بكافة العطاءات المميزة وتحرم الفقراء من ابسط احتياجات حياتهم الضرورية كالماء والغذاء والكساء.

والسؤال هو: لماذا لا تعمل هذه الاختراعات التكنولوجية لمصلحة الفقراء والجوعى بدلا من تقديم اختراعات تزيد وتوسع الهوة ما بين فقراء العالم وأغنيائهم؟