الحريق الكبير الذي اشتعل في مكب للإطارات، قريباً من منطقة الجهراء منذ أيام، واستغرق فترة ليست بالقصيرة لإخماده، يمثل في حقيقة الأمر صورة عامة لكيفية جريان الأمور في هذا البلد.

Ad

هذه الإطارات، التي قدرت وفقاً لبعض المصادر بخمسة ملايين إطار، لم توجد في هذا الموقع هكذا فجأة. لم تستيقظ الكويت ذات صباح لتجد خمسة ملايين إطار مغروسة في خاصرتها، كورم سرطاني مفاجئ، دون سابق إنذار، وإنما كانت تتكدس وتتكاثر في هذا المكب، وهو الذي خصصته إدارة شؤون البيئة التابعة لبلدية الكويت لهذا الغرض، على مدى سنوات.

ولهذا فإن مسار المشكلة التصاعدي كان واضحاً، لكل صاحب عقل، منذ اللحظة الأولى التي قرر فيها مسؤول ما، قابع في مكان ما في بلدية الكويت، تخصيص هذا الموقع لجمع الإطارات المستعملة وتكديسها، لأن هذا الفعل بحد ذاته كان أشبه ما يكون بصناعة لمشكلة كبرى، لأن الأرض لن تنشق وتبتلع الإطارات المجمعة كل ليلة، إضافة إلى أن هذه المعجزة إن هي حصلت فعلاً، فستكون كارثة بيئية بحد ذاتها!

يمكن لي أن أتخيل أن القرار آنذاك كان على هيئة: لنكدس الإطارات في هذا الموقع، ولنفكر لاحقاً في ماذا سنفعل بها، وتكدست الإطارات، ونسي ذلك المسؤول المسألة برمتها، تماماً مثلما تتكدس وتتكاثف وتتعاظم كل المشكلات عندنا، ولا يكترث بها أحد، ولا ينتبه لها أي طرف، حتى تنفجر أو تشتعل أو يبلغ فسادها الآفاق. وكل ذلك برعاية هذه الحكومات المتعاقبة التي علمتنا الأيام والتجارب بأن بعضها لا يختلف عن بعض، إلا بالأسماء والهيئة الظاهرية وتفصيلات الفساد.

حريق الإطارات الذي استحوذ على اهتمام الإعلام والحكومة والبرلمان والناس، وصار حديث الساعة في كل مكان وموقع، ليس سوى حلقة واحدة في وسط سلسلة طويلة من حلقات الفساد والتخبط وسوء الإدارة ورداءة المعالجة. حريق الإطارات لم يكن أبداً هو الحلقة الأولى في هذه السلسلة، ولن يكون أبداً الحلقة الأخيرة، ولا أقول هذا تشاؤماً وسوداوية، بل أقوله لأن الأمور تُعرف بمقدماتها وسياقاتها، ومادام نظام الأمور كان ولايزال يسير على ذات الوتيرة في التعامل والمعالجات، فمن السخف كل السخف، أن نتصور أن القادم سيكون مختلفاً.

حريق الإطارات قبله عشرات الكوارث والإخفاقات على المستويات المختلفة، من نفوق أسماك وتعطل شبكات صرف صحي وانفجارات في منشآت نفطية وتسرب لغازات سامة وتلوث للهواء وانقطاع للكهرباء وشح في المياه واختناق مروري، وغيرها الكثير مما علمناه لمجرد أننا رأيناه أو سمعناه أو شممناه أو عايشناه، والكثير الكثير مما لم نعلمه بعد، لأنه لم ينفجر أو يشتعل أو يختنق أو ينقطع حتى الساعة!

كل مشكلة وكارثة لا تستحوذ على الاهتمام الرسمي حتى تقع، حتى صارت كل المعالجات ليست سوى معالجة أزمات وكوارث، وأما استشراف المشاكل وتوقع حصولها والاستعداد لها فخارج عن كل الحسابات. وهذا بالرغم من أننا بلد واقع في منطقة غير مستقرة سياسياً وعسكرياً على الإطلاق.

منذ أيام، وحين أضرب موظفو الجمارك، اهتز الأمن الغذائي للبلد في غضون أيام معدودة، وكاد أن يفترس تجار الأزمات الناس من خلال رفع الأسعار، فماذا لو نشبت حرب في المنطقة، وأغلقت حركة الملاحة، أو شلت الحركة الجوية، لا سمح الله، فماذا سيكون حالنا يا ترى؟

ماذا لو حصل تسرب إشعاعي من المفاعل النووي الإيراني، الذي لو عطست إحدى مداخنه، لأصابنا المرض؟ ما هي استعداداتنا الحقيقية لمثل هذا؟

وماذا وماذا وماذا من عشرات الأمور الابتدائية والبدهية التي أفترض أنها مرصودة في قوائم إدارة المخاطر، والتي يجب أن تدركها وتستعد لها أي حكومة تدير بلداً وتحترم نفسها؟

حريق الإطارات يا سادتي، وبالأخص يا من تزعمون الاهتمام حقاً بهذه المشكلة، ليس سوى قطرة من طوفان كبير من المشاكل المتنوعة الهادرة، التي يصر الجميع على التعامي عنها. ولا علاج إلا بفتح كل الملفات ومواجهة كل المشاكل الواقعة حالياً والمحتملة، وأما غير ذلك فهو مجرد عبث صبياني سمج.

وهذه هي الحقيقة المجردة الصلعاء لمن أرادها، وأما من يصر على التجاهل والنوم، فلا أقر الله له عيناً!