فجر يوم جديد: سوبر ستارز السينما... والثقافة
غالباً، تولي إدارات بعض المهرجانات السينمائية، التي انتشرت على الساحة العربية بشكل مكثف في الفترة الأخيرة، اهتماماً كبيراً بدعوة النجوم الكبار، أجانب وعرب، وتذليل العقبات التي تحول دون موافقتهم على الحضور وقبول الدعوة الرسمية، مهما كانت الكلفة ضخمة، وتُرهق كاهل موازنة المهرجان! في المقابل، لا تُجهد هذه الإدارات نفسها كثيراً في توفير غطاء ثقافي للمهرجان يمنحه بريقاً حقيقياً بعيداً عن «الشو الإعلامي»، الذي يعود عليه من وراء التهافت على «السوبر ستارز» الذين كنت شاهداً على الممارسات العجيبة لكثيرين منهم أثناء عضويتي في المكتب الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وتنقلي بين المناصب المختلفة لمهرجان الإسكندرية السينمائي؛ فأحدهم يشترط طائرة خاصة، والثاني يطلب حضور رفيقته وثلاثة على الأقل من حراسه الخصوصيين، والنجمة المعروفة تأمر بإرسال تذكرة طائرة لوالدتها، بينما يفاجئنا أحد المخرجين الكبار بتوفير تذكرة سفر وإقامة لممرضته، فضلاً عن الدولارات الضخمة التي يتم التفاوض على دفعها مع الوكلاء أو مديري الأعمال!
بالطبع ثمة استثناءات تتمثل في بعض الكتب والمطبوعات التي تصدر عن عدد من المهرجانات السينمائية العربية في دوراتها المختلفة، لكنها قليلة بشكل ملحوظ، ولا تحظى غالباً بالاهتمام المطلوب، وربما يتم توزيعها من باب «ذر الرماد في العيون»؛ فالبند المخصص لها يحتل جزءاً ضئيلاً للغاية من الموازنة مقارنة بالبند المقرر لدعوة النجوم، والذي يكاد يلتهم الموازنة بالكامل. وكثيراً ما تجري محاولات لإقناع رجال الأعمال بتحمل مسؤوليته لتخفيف العبء عن المهرجان بينما لم يحدث، مثلاً، أن تم إقناع رجل أعمال واحد، أو تبرع من تلقاء نفسه، بتخصيص جزء من أمواله للإنفاق على الإصدارات! من هنا، رصدت، بمزيد من الغبطة، إعلان أيوب الأنجري البغدادي، مدير مهرجان «مرتيل للسينما المغربية والإيبيروأميركية» الذي سيقام في شمال المملكة المغربية، خلال الفترة من 27 مايو الجاري إلى 2 يونيو المقبل، أن الدورة ستشهد إصدار مجموعة من المطبوعات السينمائية، التي ستوزع على الجمهور والضيوف، من بينها كتاب يتناول سيرة الأستاذ الجامعي والباحث والناقد السينمائي الراحل محمد سكري، يشرف على إعداده الناقد السينمائي حسن نرايس؛ فالمهرجان، الذي يُعد صغيراً ومغموراً مقارنة بالمهرجانات السينمائية العربية الأكبر صيتاً وذيوعاً وشهرة، نجح أخيراً فحسب، وبعد 12 سنة من انطلاقه، في الحصول على الرعاية الملكية، وعلى رغم هذا بدا حريصاً على وجهه الثقافي، منذ دورته الأولى لإدراك القيمين عليه أن السينما والثقافة وجهان لعملة واحدة. هل ثمة علاقة بين اهتمام أي مهرجان سينمائي بالجانب الثقافي ومكانة رئيسه في الحركة الثقافية وتأثيره فيها أو حتى علاقته بها؟ تجربة الكاتب الكبير سعد الدين وهبة (4 فبراير 1925 ـ 11 نوفمبر 1997) أثناء إدارته لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في الفترة من عام 1985 حتى عام 1997، تُجيب عن السؤال بوضوح ومن دون مبالغة أو مجاملة للرجل. فقد شهدت الأعوام التي تولى فيها رئاسة المهرجان زخماً ثقافياً لم يحدث سابقاً، ولم يتكرر من بعد. بالإضافة إلى الإصدارات السينمائية المتخصصة التي رصدت سير ومنجز رموز ورواد ونجوم السينما المصرية والعربية، اتسعت الرؤية لتشمل الكتب التي توثق التشريعات الرقابية للسينما العربية، وتسجل البيبلوغرافيا الشاملة للسينما العربية، وهو الزخم الثقافي نفسه الذي يتكرر مع كل دورة جديدة من دورات مهرجان دمشق السينمائي الدولي، الذي يديره الناقد السينمائي محمد الأحمد؛ فإصدارات كل دورة تصل إلى ما يقرب من 30 عنواناً تتناول مختلف مناحي الثقافة السينمائية، وتسهم بشكل كبير في تكوين مكتبة نوعية ضخمة بالمقاييس كافة، بينما يخلو بعض دورات المهرجانات العربية الأخرى من مطبوعة واحدة تحمل عنواناً ثقافياً أو سينمائياً من أي نوع، نتيجة اهتمام إداراتها بإرضاء «النجوم المدللين»، ومسخ الوجه الثقافي للمهرجان، وكأن ثمة تناقضاً بين السينما والثقافة! تختلط الأوراق وتتداخل التوجهات في المهرجانات السينمائية العربية، وبدلاً من أن تراجع إداراتها المواقف وتُعيد النظر في الأولويات، تستسلم لرغبات «سوبر ستارز» السينما ونزواتهم وتتجاهل الحد الأدنى للطلبات المشروعة لـ «سوبر ستارز» الثقافة!