حتى لو جرى تدارك كل هذه الانتهاكات والخروقات لوقف إطلاق النار التي أقدم عليها نظام بشار الأسد بالاستناد، كالعادة، إلى حجج واهية و"مفبركة"، وحتى لو أشرقت الشمس من الغرب، وحتى لو تحققت معجزة "الغول والعنقاء والخلُّ الوفي" وحصل المستحيل وعادت الأوضاع في سورية إلى ما قبل الخامس عشر من مارس العام الماضي، وهي لن تعود إطلاقاً، فهل نجاح مهمة كوفي أنان، وهي لن تنجح، سيجبّ ما قبله وكأن شيئاً لم يكن ويعود الشعب السوري إلى واقع الاستلاب والقهر والاستبداد، وينسى عاماً وأكثر من الويلات والدماء والمجازر والدمار والتقتيل؟!

Ad

تقول الأرقام الأقل كثيراً من التقديرات الموضوعية إن عدد القتلى من أبناء الشعب السوري، من الرجال والنساء والأطفال، على أيدي قوات الأسد "الباسلة"! تجاوز العشرة آلاف وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، وإن أعداد الجرحى تجاوزت عشرات الألوف، في حين لا أحد يعرف أعداد المعتقلين و"الأسرى"، وكذلك الأمر بالنسبة للمفقودين الذين فروا بأرواحهم وبأطفالهم تحت أزيز رصاص الجيش العقائدي وهدير دباباته إلى الدول المجاورة.

هناك أحياءٌ أزيلت بكاملها؛ في حمص، وفي حماة، وفي إدلب، وفي درعا، وفي الرّستن، وهناك قرى وبلدات أصبحت أكواماً من الحجارة والأتربة، وهناك آلاف المنازل أحرقت، وكل هذه الويلات التي حلّت ببلد وشعب لم يخجل رئيسه من أن يظهر على شاشات الفضائيات الحكومية السورية، وهو يرتدي ملابس القوات الخاصة، ويستعرض، وحوله جنرالاته، خريطة عسكرية للمواقع التي يشن عليها جيشه هجماته في عرض البلاد وطولها من أقصى نقطة في الجنوب حتى أقصى نقطة في الشمال، ومن البوكمال في الشرق حتى جبل الأكراد في اللاذقية في الغرب.

وكل هذا يستدعي التساؤل عمَّن يتحمل مسؤولية كل هذه الجرائم التي أُرتكبت، فهل سيجري التعامل مع كل ما حصل وكأن شيئاً لم يحصل، أم أنه لابد من فتح كل الملفات ولابد أن تتحرك منذ الآن كل الجهات الدولية المعنية لمعاقبة كل من شارك في هذه المآسي الإنسانية التي حصلت في سورية خلال عام وأكثر...؟!

حتى لو تم ترقيع خروقات وانتهاكات وقف إطلاق النار، الذي من المفترض أن سريانه بدأ منذ فجر الخميس الماضي، فإنه لابد من لجان تحقيق دولية، ولابد أن يوضع هذا النظام بكل رموزه، من قمة الهرم حتى قاعدته، في قفص الاتهام، ولابد أن تستمر الاحتجاجات السلمية، هذا إن هي تُركت لتستمر بصورة سلمية كما كانت في الأشهر السبعة الأولى لانطلاقتها، وبالتالي فإنه لابد من إسقاط بشار الأسد ونظامه، ولابد من الحساب العسير، أما أن تكون النتيجة بعد كل هذه المجازر البشرية وبعد كل هذا الدمار، الذي لم تسلم منه مدينة ولا قرية، أنه "لا ضرر ولا ضرار"، و"عفا الله عمّا سلف"، فإن هذا يشكل إهانة للشعب السوري العظيم، الذي قدم تضحيات ستبقى حيّة في ذاكرة التاريخ حتى يوم القيامة، ما بعدها إهانة، وإن هذا عارٌ ما بعده عار.