الطائرات الأميركية بلا طيار تنتج خصوماً بقدر الذين تقتلهم

نشر في 01-11-2012
آخر تحديث 01-11-2012 | 00:01
يمكن تبرير الصمت الرسمي إزاء استعمال الطائرات بلا طيار اليوم من خلال ادعاء أنها حرب سرية ضد «القاعدة» من تنفيذ وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة الأميركية، وهي تتطلب طابع السرية كي تكون فاعلة.
 ذي إندبندنت لطالما جذبت الطائرات بلا طيار أو ما يوازيها من تكنولوجيات القادة السياسيين والعسكريين، وجعلتهم يحلمون باستئصال الأعداء بضربة قاضية. في عام 1812، وضع حاكم موسكو، الكونت روستوبشين، خطة لإرسال منطاد الهواء الساخن كي يتجول على الخطوط الفرنسية في بورودينو ولإسقاط جهاز تفجير على نابليون. وردت هذه المعلومة في مذكرات الكاتب والرحّالة والسياسي الفرنسي شاتوبريان، لكني لم أقرأها في أي مرجع آخر، لكن هذه القصة تشير إلى كيف أن الإنسان منذ اللحظات الأولى كان ينظر إلى الهواء باعتباره طريقة قد تحمل إحدى وسائل الاغتيال.

يفكر الرئيس باراك أوباما اليوم مثل روستوبشين قبل 200 سنة. يُعتبر استعمال الطائرات بلا طيار بشكل سري واحداً من أبرز الخصائص اللافتة في سياسته الخارجية، فخلال عهده الرئاسي، استُعملت تلك الطائرات ضد باكستان واليمن والصومال وأفغانستان وليبيا والعراق، ففي باكستان وحدها، قتلت 337 عملية من تخطيط وكالة الاستخبارات المركزية بين 1908 و3225 شخصاً منذ عام 2004، وفق مؤسسة "أميركا الجديدة" في واشنطن. من بين هؤلاء القتلى، يُقال إن 1618 إلى 2769 شخصاً كانوا من المقاتلين المتشددين.

لا شك أن دقة الأرقام والتفاوت الكبير بين أعلى وأدنى رقم يثيران دهشة أي شخص راقب الاعتداءات الجوية الأميركية في العراق وأفغانستان. كانت الفبركة الرسمية لعدد الضحايا المدنيين تطبع جميع الحروب الجوية. بعد أيام على سقوط "طالبان" في عام 2001، كان الجيش الأميركي يحاول تبرير السبب الذي دفعه إلى تفجير حفلات الأعراس في أفغانستان بعد أن ادعى أنها تضم مواكب من "الإرهابيين".

تتضح أهمية حروب أوباما التي تستخدم طائرات بلا طيار لأنها تقع في صلب السياسة الخارجية في جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. استعمل جورج بوش الابن الطائرات بلا طيار بين عامي 2004 و2008 على نطاق أصغر، لكن لا ينجم استعمالها بشكل مكثف منذ ذلك الحين عن تطورات تقنية أو معطيات تكتيكية.

يتعلق أهم تغيير شهدته السياسة العالمية في العقد الأخير بواقع أن الولايات المتحدة فشلت في الفوز بحربين في العراق وأفغانستان مع أنها نشرت جيوشاً برية واسعة ومكلفة. كذلك، حصلت تلك الإخفاقات في وجه قوى ضعيفة نسبياً تتألف من العصابات. بالنسبة إلى المتشددين والليبراليين الجدد الأميركيين، كانت الحربان تهدفان إلى تبديد شبح فيتنام والصومال والتمكن من استعمال العظمة العسكرية الأميركية، لكن سرعان ما عاد شبح الفشل في فيتنام والصومال إلى الواجهة. تحصد عمليات التدخل العسكري التي تستعمل قوات ميدانية في الخارج أدنى مستويات الدعم من الرأي العام والمؤسسات المختلفة في الولايات المتحدة.

يبدو أن استعمال الطائرات بلا طيار يهدف إلى تجنب هذه المشاكل، ففي المقام الأول، لا يقع أي ضحايا أميركيين بشكل مباشر أو فوري. كذلك، توحي تلك الاعتداءات بأن الطائرات تخوض المعركة في وجه العدو المتمثّل بتنظيم "القاعدة" حيث يتم التخلص من 20 ناشطاً بارزاً في شمال غرب باكستان (قبل أن يتم استبدالهم بطريقة غامضة بعشرين ناشطاً آخر). وجد الجمهوريون صعوبة في انتقاد العمليات بالطائرات بلا طيار خلال الحملة الرئاسية لأنهم سيواجهون في هذه الحالة اتهامات بالتساهل مع الإرهاب. أدلى ميت رومني بواحد من التعليقات المنطقية القليلة في ملف السياسة الخارجية خلال المناظرات الرئاسية فقال: "لا يمكننا حل المشكلة بهذه الطريقة المميتة". لكنه أكد لاحقاً أن تصريحه لا يعني أنه يعارض استعمال الطائرات بلا طيار.

من وجهة نظر البيت الأبيض، تتمتع الطائرات بلا طيار بميزة السرية. في مرحلة معينة، اعتُبر ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر مجرمَي حرب لأنهما شنا حملة قصف سرية بطائرات B-52 على كمبوديا. يمكن تبرير الصمت الرسمي إزاء استعمال الطائرات بلا طيار اليوم من خلال ادعاء أنها حرب سرية ضد "القاعدة" من تنفيذ وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة الأميركية، وهي تتطلب طابع السرية كي تكون فاعلة.

لكن هل تتمتع الطائرات بلا طيار بالفاعلية التي يدعيها البعض؟ من المعروف أن القوة الجوية تكون رخيصة وقاتلة مقارنةً بالقوات البرية. استُعملت للمرة الأولى من جانب الإيطاليين خلال غزوهم الاستعماري في ليبيا في عام 1911. ثم قام هاريس "المفجّر" البريطاني الذي قاد حملة القصف المكثفة على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية بتدمير البلدات الكردية في العراق خلال العشرينيات.

يمكن أن تحقق القوة الجوية نتائج كثيرة، ولكنها لا تستطيع تحقيق كل شيء. ينطبق الأمر نفسه على الطائرات بلا طيار وطائرات B-52 على حد سواء. قد يكون استعمال الطائرات بلا طيار خياراً منطقياً على المستوى السياسي محلياً أكثر من المستوى العسكري خارجياً. بغض النظر عن دقة الصواريخ، لا بد من تحديد الأهداف قبل تدميرها، ما يستلزم معلومات محلية وافية. في الأماكن التي تكون فيها الدولة المحلية ضعيفة أو غائبة، كما في اليمن أو الصومال أو ليبيا أو وزيرستان في شمال غرب باكستان، يسهل القيام بذلك لأن وكالة الاستخبارات المركزية تستطيع إنشاء شبكتها الخاصة من العملاء أو التعاون مع وكالات الاستخبارات المحلية.

لكن يخطئ من يختصر الوضع بالتحدث عن مواجهة بين "القاعدة" المنظمة والبنتاغون الضعيف، بل يتعلق الوضع فعلياً بسلسلة من المواقف السياسية والدينية إلى جانب الرغبة في شن حرب مقدسة عبر استعمال تكتيك معين، ولا سيما التفجير الانتحاري.

تبرز سلبيات جدية أخرى عند استعمال الطائرات بلا طيار، فهي تولّد مشاعر من السخط في الدول التي تُستعمل فيها مثل باكستان. إذا حصلت تلك العمليات بموافقة إسلام أباد (وهو أمر حتمي)، فيعني ذلك أن الحكومة هي عميلة للولايات المتحدة. غالباً ما تكون أعداد الضحايا المدنيين مفبركة بما أن الجهات الخارجية لا تعلم من يقيم في الأحياء العائلية في أفغانستان أو في شمال غرب باكستان (لنحلل الوقت الذي احتاجته الاستخبارات الأميركية كي تجد أسامة بن لادن في مقره في أبوت أباد).

لا يمكن أن يصل الصحافيون الأجانب أو المحليون إلى معظم الأماكن التي تُستعمل فيها الطائرات بلا طيار. بالتالي، يمكن تقليص عدد الضحايا المدنيين أو إنكار سقوطهم أصلاً. غطّيتُ في عام 2009 حملة قصف أميركية على ثلاث بلدات في جنوب مدينة هرات وقد أسفرت حينها عن مقتل 147 شخصاً وفق السكان المحليين. انتشرت حفر بعمق 30 قدماً في المكان، لكن متحدثا أميركيا اعتبر أنها نجمت عن إقدام مقاتلي "طالبان" على رمي قنابل عنقودية على المنازل. كانت الكذبة فاضحة، لكن يستحيل أن يثبت الصحافيون عكس ذلك.

كان السكان المحليون يعلمون ما حصل طبعاً، فقد شغّلوا جراراتهم لسحب مقطورات مليئة بالأشلاء إلى عاصمة المحافظة حيث فتح الجنود النظاميون النار وقتلوا ثلاثة منهم. تساءلتُ في تلك الفترة عن عدد الأشخاص الذين انضموا إلى "طالبان" بعد حملة القصف من بين الشبّان الذين نجوا في البلدات الثلاث.

لا تساهم الطائرات بلا طيار في تغيير المعطيات ميدانياً، ولكنها توفر غطاء سياسياً على المستويين المحلي والخارجي، ما يعني إخفاء التراجع الأميركي في أفغانستان والعراق. على صعيد آخر، تعزز تلك الطائرات المشاكل لأنها قد تولد أعداء إضافيين بدل التخلص منهم، كما أنها تتكل على شبكة من المخبرين الذين يستطيعون التمركز في دول ضعيفة أو فاشلة أو متخبطة حصراً. كذلك، هي تدعو دولاً أخرى مثل الصين وروسيا إلى الاستثمار في قطاع الطائرات بلا طيار من أجل قتل المعارضين لهما وراء الحدود. لا شك أن حملات الاغتيال السرية عبر استخدام الطائرات بلا طيار، أو مناطيد الهواء الساخن، أو القنابل، أو السموم النادرة، تترافق جميعها مع مجازفة كبرى: قد يخطط شخص معين في مكان ما للرد على تلك الاعتداءات!

Patrick Cockburn

back to top