ملتقى الثلاثاء يُناقش «حقيبة مُتربة...»
الشخوص ولغة القص تحت المنظار
أقام ملتقى الثلاثاء أمس الأول ندوة ثقافية لمناقشة مجموعة قصصية بعنوان «حقيبة مُتربة وجورب أبيض» الصادرة مؤخراً للقاص حسام القاضي، شارك فيها، فهد الهندال وعبدالمنعم الباز، وقدمتها جيهان عبدالعزيز.استهل القاص عبدالمنعم الباز بقراءة ورقته النقدية والذي تناول من خلالها نقاطاً ومحاور مجتزأة من المجموعة القصصية، بدءاً من غلاف الرواية والعنوان وصولاً إلى الإهداء: «إلى أبطال ثورة 25 يناير الذين غيّروا مجرى التاريخ، تحية إجلال وعرفان إلى شهدائنا الأبرار»، مشيراً الى أنه على الرغم من أن معظم قصص المجموعة منشورة في التسعينيات إلا أن الإهداء قدم مفتاحاً إجبارياً للمتلقي سواء قصد الكاتب ذلك بإعلان انحيازه لبطولة الثوار، أو لم يقصده، فهي لغة كلاسيكية للغاية لا تقوم بأي ثورة داخل اللغة نفسها، وهي الواجب الثوري الحقيقي للكاتب.
وأوضح أن اللغة الكلاسيكية تلك ستظل إشكالية تثقل المتلقي عبر «اكليشيهات» كتابية معتادة، يعتبرها هو نوعا من الاستسهال في التعبير الذي يؤدي في الغالب إلى سهولة في التلقي ويؤدي أيضا إلى سهولة النسيان وفقدان التأثير، بقاعدة «سهل الكسب سهل الضياع».وذكر نماذج لهذه الجمل المعتادة وهي «آلام رهيبة»، «دموعها المنهمرة»، «شاخصة ببصرها إلى السماء»، «محاولة طرد ما يجول في خاطرها دون جدوى» وغيرها.قصة رمزية وعرج بعدها الباز الى تحليل قصة «حطام»، وهي قصة شديدة الرمزية لشخص يضع التماثيل عبر تمجيد أشخاص، ثم يحطمها حين تتعالى عليه، فالكاتب يستعرض عبر صفحتين ونصف «حالة سيزيفية» بين الشعب المصري وحكامه عبر التاريخ، والتي تزداد صعوبة في التحطيم كلما بدا الحاكم اقرب شبهاً من الشعب.كما تناول نص «حقيبة متربة وجورب أبيض»، وهي القصة الثامنة والتي تجبر القارئ على اهتمام إضافي بها، باعتبارها عنوان المجموعة وأيضاً لحالة الضبابية التي تسودها، ففي البداية هناك مشهد حالة تسلل في الظلام إلى فراش أنثى نائمة، ويخال للمتلقي أنه مقدمة لمشهد تلصص أو اغتصاب، وإذا بالصورة مقلوبة في واقع الأمر والمتسلل ربما هو طيف زوجها أو طليقها، الذي يفتقد حنان أسرته الصغيرة، فعلى الرغم من براعة اقتناص اهتمام القارئ إلا أن القصة تفتقد كثيراً من التفاصيل التي تشرح لماذا حدث الانفصال بينهما وعلاقة العمل المشار إليها بين الرجل والمرأة. نظرية فلسفيةأما ورقة الناقد فهد الهندال «حياة في حقيبة... وأخرى متربة»، فبدأ من خلالها بفكرة نظرية فلسفية لتحليل القص الإنساني بطبيعته اللغوية المكثفة، والذي يستطيع اختراق كل الأحاسيس المتلقية للحدث المجزأ والذات المتشظية، بما يحمله من آهات نصية، يطلقها المجتمع عبر لسان كاتبه المتجول بين ردهات النفس البشرية المظلمة وزواياها الحادة والجارحة لكل منابت الوعي المختزل في مرارات يومية مزمنة.وأوضح أن القاص حسام القاضي وعبر مجموعته القصصية الأخيرة، يتنقل بين حواري الروح الساكنة بالحنين والولع للماضي تارة، والتأثر على القهر والزيف تارة أخرى، ليستفرغ من شخوصه كل أزماتها النفسية وصراعاتها الداخلية، في أهمية وجودها في عالم قد لا يلتفت إلى دويها المتحطم. والتي غالباً ما تكون صرخة وليد مسخ، جاء سفاحاً إلى دنيا امتلأت قيحاً وزيفاً على مدى حياتها الثورية، حتى اغتصبها الواقع في يقظة زمن غافل عن كل ترهات شعارات الرجولة والشجاعة وسط نحيب مدوٍّ، عجز معتصمو الزمان وجنودهم عن نجدتها، بل شهدوا ما لم تشهد هي عليه، ليأتي المسخ حياً في الذاكرة الموحشة، عارياً بذنوب المعتصمين الصامتين ويفضح حقيقة الدين لديهم.كما تحدث الهندال عن قصة «ربطة عنق» وهي مجموعة قصص قصيرة، اختلفت في نصها، واتفقت في قصها المرسل عن إنسان تعددت مواقعه في سرد الحياة، ما بين البحث عن موقع في مجتمع مخملي مختنق بإدارته بربطة عنق لا تفرق بين الأعناق المرتدية لها، وبين رقبة جندي قاد معركة خاسرة من موقع متأخر ليعانق عنقا آخر.