الثقافة والسياسة!
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
إن وعي أي مجتمع من المجتمعات هو وعي جمعي، وبالتالي فإن تسليط الإعلام المرئي والمسموع والمقروء الضوء على أي قضية، صغيرة كانت أو كبيرة، سرعان ما يشكّل منها قضية رأي عام، وسرعان ما تأخذ حجماً قد يكون أكبر بكثير من حجمها، فما بالك إذا انشغلت وسائل الإعلام في زمن ثورة المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي والمحطات الفضائية بمتابعة حدث بعينه، والتركيز عليه من مختلف الزوايا. لقد انشغلت مختلف فئات المجتمع الكويتي بالحدث السياسي دون سواه، وهذا جاء على حساب الانشغال بأحداث أخرى مهمة، وعلى رأسها الحدث الفكري والإبداعي والأدبي والثقافي. فالكويت عُرفت في محيطها الخليجي كمنارة للفكر والفن والثقافة، والكويت كانت على الدوام سبّاقة في قيادة العمل الثقافي العربي، وهذا ما أكسبها حضوراً ومكانة ثقافية لا خلاف عليهما. مؤكد أن الحدث السياسي ليس وحده من أزاح الكويت عن مكانتها الفكرية والثقافية والفنية، ومؤكد أيضاً أن انحدار الثقافة في الكويت وتقهقرها له مسبباته الكثيرة، لكن الثابت هو أن طغيان جرعة الحدث السياسي، في السنوات القليلة الماضية، وتركيز وسائل الإعلام عليه، استحوذ على اهتمام الناس، وهمّش باقي الأحداث، حتى وصل الأمر إلى حد التندر بمن يهتم بالشأن الفكري أو الثقافي. إن تقدم وتطور أي أمة من الأمم إنما يرتبط بمفكريها وعلمائها ومبدعيها وكتّابها وفنانيها، وهذا يتطلب تشجيع البحث العلمي والفكري، مثلما يتطلب زيادة جرعة الاهتمام بالعمل الثقافي والفني، وأخيراً يستلزم مزيداً من الحرص والانتباه إلى المفكر والمبدع والمثقف. شكّلت الديمقراطية في الكويت على الدوام فخراً للكويت والكويتيين، لكن المطمح الأول لأي ديمقراطية في أي دولة من الدول، هو خدمة الوطن والمواطنين، والحرص على تطوير والارتقاء بمختلف مناحي الحياة العلمية والاقتصادية والفكرية والثقافية والفنية، وبالتالي فإن تجاهل أمر الفكري والثقافي والفني، على حساب السياسي، إنما سيترتب عليه، وجود أجيال بعيدة كل البعد عن الفكر والثقافة والإبداع، ولا أظن أن خسارة كبيرة يمكن أن تلحق بمجتمع بقدر هذه الخسارة المؤلمة!