تناقلت الأخبار أخيراً ارتفاع وتيرة الإضرابات الشعبية والاحتجاج في الضفة الغربية على ارتفاع الأسعار خصوصاً المحروقات، ووصلت هذه الاحتجاجات إلى اتهام رئيس وزراء السلطة الفلسطينية "سلام فياض" بالفساد والمطالبة برحيله! وفي صورة أخرى من الاحتجاجات تم حرق صورة "فياض" ومجسم له وحرق إطارات السيارات، وقامت مواجهة بين الشرطة الفلسطينية وبعض المتظاهرين "مجهولي الهوية" كما ذكرت الأخبار. وقد بدأ "المُنـَظــِّرون" بتهويلها وتكبير حجمها بأنها انتفاضة ثالثة لكن على السلطة الفلسطينية هذه المرة، فالمتتبع لتناقل الأخبار في هذا الخصوص يجد أن هناك دولة عربية كما نقلت "جريدة القدس" يوم العاشر من سبتمبر الحالي وما ألمح عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس والتي قال إنها "لم تكلف نفسها بدفع شيكل واحد لصالح السلطة الفلسطينية منذ فترة زمنية طويلة". فهل سيقف الشعب الفلسطيني موقف المحتج بعد أن كان مبادراً وسخياً في كل الأزمات التي أرهقته؟ وهل... صَـدَّق الشعب الفلسطيني أن له "دولة وسيادة سلطة" في وجود الاحتلال وتقطيع أواصل ما كان متصلاً بين أجزاء الأرض الفلسطينية قبل أوسلو؟ هنا تكمن المصيبة الكبرى، فالذين يضربون ويحتجون في دول العالم هم شعوب ذات سيادة على أرضها ولها حكومتها "المنتخبة" ولها اقتصاد يفي بحاجاتها، فإن تعرضت لبعض الأنات الاقتصادية فإن هذه الشعوب تقوم وتحتج على سوء الإدارة وفشل الخطط، ولذلك فهي تحاسب حكومتها من واقع لا يشبه الواقع الفلسطيني الفريد! وهل سأل أي موظف أو عامل يتقاضى مرتباً شهرياً من السلطة نفسها، ماذا ينتج مقابل ما يتقاضى؟ نتصور أن القليل جداً من الإداريين هم الذين يتقاضون مقابل جهدهم. أما الأغلبية الساحقة فهم في بيوتهم "يتسولون"مرتباتهم التي لم يبذلوا مقابلها أي جهد إلا حين تتأخر فإنهم ينتفضون ويحتجون ويلعنون السلطة ويصبون جام غضبهم على "فياض"! هل هذا وضع مستقيم كان يأمل الشعب الفلسطيني أن يصل إليه بهذه المذلة والمهانة؟ ولعلنا هنا نتفق مع ما جاء في مقال الزميل سعيد الشيخ الذي حمل عنوان "سيان بين احتجاج واحتجاج"، المنشور في موقعه "ألوان عربية" ونقتطف منه ما يلي: "ما يتوجب على الشعب الفلسطيني هو ألا ينسى نفسه وواقعه، ولا يصدق أنه يعيش في دولة مستقلة لها حكومتها الوطنية تخطّط تحديد الأسعار وتعيّن مستوى المعيشة… إن واقع الاحتلال الأليم المفروض على الشعب الفلسطيني قد سبق هذه المتطلبات التي تظل صغيرة أمام التحدي الوجودي الأكبر المتمثل بالاحتلال ومشاريعه الاستيطانية القائمة على قدم وساق والتي تبتلع الوطن الفلسطيني. هذه المتطلبات الصغيرة ما كنا نجرؤ على مجرد التفكير بها أيام عهدنا بالمقاومة الفلسطينية منذ بدايات سبعينيات القرن الماضي، على اعتبار أنها فردية وشخصية، يومها كنا ندفع من مخصصاتنا الضئيلة من أجل الثورة والعمل الفدائي في سبيل تحرير فلسطين، ولم يكن أحد منا ينتظر راتب آخر الشهر لأنه من العيب! البيئة التي احتضنت هذا النقاء وهذه الشهامة ما زالت موجودة، نعم... هي في مخيمات شعبنا المنتشرة في لبنان وفي كل البلاد العربية… وهذه المخيمات مازالت تعيش على اللظى وتنام وتستيقظ على لحم بطنها، وحلمها بفلسطين المحررة لم يهلكه الجوع ولا متطلبات المعيشة!". لا أحد ينكر هذه الروح التي تربى عليها الشعب الفلسطيني وحافظ عليها سنوات نكبته الكبرى، ولكننا نستنكر تغاضي الكثيرين عن أسباب الأزمة والتغاضي عن البحث عن مخرج منها، وهذا يحتاج أن يكون إخواننا في مخيمات الشتات هم النموذج الذي يحتذى به، وهم الصابرون والمقاومون لصعوبة العيش تحت كل أنواع الضغوط. يا شعب فلسطين... لستم كأحد من الشعوب... أنتم استثناء تحملتم وصبرتم وضحيتم بالرجال بين شهيد وأسير وجريح يعيش بينكم يذكركم بعزة النفس والإباء. هل ستتركون لبعض ضعاف النفوس أن يشغلوكم عن الهدف الرئيسي في البحث عن المخرج الذي تعرفونه وترونه بأم أعينكم؟ المطلوب هو توجيه الجهد الفلسطيني نحو هدفه، ومن ثم دراسة أسباب هذا الغلاء، وهي لا تحتاج إلى جهد، فهي انعكاس للحالة الاقتصادية العالمية وكذلك للحالة الفلسطينية الفريدة التي تعتمد بشكل أكبر على المنح الدولية بعد أن كانت تعتمد على وكالة غوث اللاجئين، وقد قلنا في مقال سابق إن الأدوار تتغير ويبقى الوضع الفلسطيني" المتسول" على حاله. وليتحمل كل فرد مسؤوليته ولا يركن إلى التقاعس ولوم الآخرين، فمن الإنصاف أن نقدر جهد أي مسؤول ولا نكثر من التخوين وتوجيه الاتهامات بوعي وبغير وعي، فالفراغ الذي يعيشه كثيرون ولّد حالات فريدة من المشاكل المعقدة، ولذلك نجد الاحتجاجات قد خرجت عن خطها المرسوم كما تناقلت الأخبار. وها هو الاحتجاج يفرز مواجهات غير مرسومة، وبالتالي فإن الخوف من انجراف بعض" أصحاب المصالح الآنية" وراء ما يردده البعض من الداخل والخارج، فيتحول هذه الاحتجاج إلى ضجيج لا يسمن ولا يغني من جوع، وتسوء الحالة أكثر فأكثر. ولعل من المفيد القول، وقبل المطالبة برحيل "فياض" (ونحن لا ندافع عنه فهناك فلسطينيون لا يقلون كفاءة عنه) فالمنطق يقول: يجب تجهيز البديل بمواصفات أكبر وأوسع وبما تتطلبه المرحلة كي ينقذ ما يمكن إنقاذه... ولن يقدر للأسباب التي أشرنا إليها آنفاً بالإضافة إلى المعوقات التي يخلقها الاحتلال ويضاعف بها ثقل الحمل الذي تتحمله السلطة الفلسطينية التي نتفق عليها أو لا نتفق فهي واقع! لا يجب أن نترك الأصوات تعلو بالغوغاء تحت أي شعار ويفلت الأمر من بين أيدينا ونعود لعض الأصابع ندماً بعد فوات الأوان، علماً بأن الوضع الفلسطيني لا يحتمل الكثير من "الهزات" فيكفيه ما يعانيه. فإن كانت الثورات العربية مثلاً يُحتذى به، فإن هذه الثورات مازالت تعاني سوء التخطيط المسبق وحالة التغيير التي تمر بها بعض بلدانها، وقد كلفت الكثير من الأرواح ومن الخسارة المادية حتى لامست الوضع الاجتماعي والثقافي وكلها مهمة لقيام مجتمع فتي. * كاتب فلسطيني- كندا
مقالات - اضافات
جهزوا البديل... ثم ثوروا!
29-09-2012