يأتي حصول الروائي الصيني مو يان على جائزة «نوبل الآداب» تقديراً لمجمل أعماله التي ضمَّت مزيجاً من الحكايات الشعبية والوقائع التاريخية والعصرية، فهو «صنع عالماً يذكِّر من خلال تعقيداته بعوالم كتَّاب أمثال الأميركي وليام فوكنر والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الأدب الصيني القديم وتقليد القصة الشعبية، من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البعد التاريخي والاجتماعي». ويعتبر يان «رغم انتقاده للمجتمع أحد أبرز كتاب بلاده»، بحسب الأكاديمية السويدية.
فاز مو يان بالجائزة عن روايته «فروغ» (ضفدع)، التي تناقش الفروقات في التقاليد الصينية بين البنات والأولاد، فالفكرة تكمن في قدرة الأولاد على الكسب والعمل أكثر من البنات، أمر يدفع عائلات صينية كثيرة إلى الإجهاض عند معرفة أن جنس الجنين أنثى. وتحكي الرواية قصة امرأة صينية تعيش في إحدى المناطق النائية في الصين، وتتناول تجربتها في الإجهاض. ويُعتبر الروائي أحد أبرز الكُتّاب الصينيين، فهو يعرف نجاحاً كبيراً مع كل رواية، لا في الصينية فحسب، بل في كلّ لغة تنقل إليها. وتتميز أعماله بمقاربة جريئة لموضوعات كثيرة تشكل نوعًا من التابوهات داخل المجتمع الصيني كالسلطة والجنس والسياسة، فهو يعالجها بنوع من السخرية التي ترصد ملامح الصين المعاصرة. كذلك يوصف أنه الأشهر والأكثر تأثيراً بين جميع الكتاب الصينيين وقد زاعت شهرته في الغرب من خلال قصصه ورواياته التي تحول بعضها إلى أعمال سينمائية أميركية مثل فيلم red sorghum.كان مو يان (57 عاماً) قد فاز أخيراً بجائزة «ماو دان» الأدبية في الصين، ما يشير إلى بعض الانفتاح الحاصل في الصين حول مناقشة هذا النوع من الموضوعات، خصوصاً أن هذا البلد غني بالثقافة الشعبية والأدب، لكن السلطة فيه تعطي أهمية قصوى للصناعات والابتكارات، ولا تتردد أحياناً في قمع الأدباء والشعراء والفنانين فيكون ملاذهم البلاد الغربية من باريس إلى لندن.حتى إن هذا التأثير القمعي حداه على تغيير اسمه من غوان موي إلى مو يان، أي «لا تتحدث»، ففي كلمة ألقاها في الجامعة المفتوحة في هونغ كونغ، قال إنه اختار هذا الاسم عندما كتب روايته الأولى، مضيفاً أنه يعلم أن الحديث العلني الصريح غير مرغوب فيه في الصين، لذا اختار هذا الاسم كي لا يتحدث كثيراً. يُشار إلى أنه أحد أبرز الكتاب الذين منعت السلطة الصينية كتبهم، وتتم قرصنة كتبه أكثر من أي كاتب صيني آخر.فاز مو يان بالجائزة من بين أسماء معلنة كبيرة، أبرزها الروائي الياباني هاروكي موراكامي الذي توقع كثر أن يكون الفائز، ربما بسبب شهرته وانتشار أعماله الواسع. والراجح أن كاتباً مثله تجاوز في أعماله وشهرته وانتشاره أدباء نوبل الكثر الذين نالوا الجائزة أمثال ميلان كونديرا أو حتى فيليب روث وقبلهما فرغاس يوسا الذي فاز بالجائزة ولم تقدم له شيئاً أضافياً، علماً أن الكثير من العظماء في الأدب العالمي رحلوا ولم ينالوا هذه الجائزة، لكن حضورهم يفوق حضور «النوبليين»، فهم بلا الجائزة أو معها حاضرون بيننا، وثقافتهم منتشرة ولهم دورهم. حتى إن معظمهم لم يُصب بعقدة نقص تجاه «نوبل» التي باتت غامضة ويتوسل بعضهم الفوز بها كما لو أنها جائزة «لوتو» أو «يانصيب». لنقل إن بعض الأدباء الغربيين استطاع من خلال مؤلفات قليلة أن يتجاوز عقدة النقص المالية التي يعانيها بعض الكتاب العرب، وعبر الأعمال الناجحة حفر اسمه لدى شريحة واسعة من القراء، فموراكامي يبيع ملايين النسخ من رواية واحدة، بمعنى آخر يبيع أكثر من الروائيين العرب مجموعين بآلاف المرات.فضلاً عن مو يان وهاروكي موراكامي، ترشّح للجائزة أيضاً مؤلف الأغاني بوب ديلان، الروائي توماس بينشون، الشاعر الكوري الجنوبي كو اون، وكل من الكتّاب الأميركيين: دون دوليلو، جويس كارول أوتس، كورماك ماكارثي، إضافة إلى كاتب القصة القصيرة الإيرلندي وليام تريفور، وكاتبة القصة القصيرة الكندية أليس مونرو، ثم الكاتب الهولندي سيز نوتيبوم وغيرهم. وتضاربت توقعات المراقبين في شأن الفائز لما يكتنف النتيجة من غموض، فبدأ المراهنون في ضخ المال في حسابات شركات المراهنات، خصوصاً شركة «لادبروكس» البريطانية التي افتتحت المراهنات على الفائز مبكراً هذا العام (في نهاية أغسطس الماضي)، وجاءت قائمة الأسماء المنتقاة نفسها تقريباً سواء في مراهنات «لادبروكس» أو الشركات الأخرى في العالم.ولد مو يان في بلدة في مقاطعة شاندونغ لعائلة من المزارعين. غادر المدرسة خلال «الثورة الثقافية» الماوية (نسبة إلى ماو تسي تونغ) للعمل في مصنع إنتاج النفط، وانضم الى جيش التحرير الشعبي في سن العشرين، وبدأ الكتابة عام 1981 بينما كان يمارس الخدمة العسكرية. بعد ثلاث سنوات، حصل على وظيفة مدرس في قسم الأدب في أكاديمية الجيش الثقافية. وتتميز أعماله بالتعليق الاجتماعي، ومتأثر بقوة بأفكار لوسون السياسية، وبواقعية الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز السحرية.العربيةغالبًا ما يستخدم مو يان صوراً مبهرة ومعقدة وكثيراً ما تتسم أعماله بالعنف، ويدور معظم قصصه في بلدة مولده، وقد نشر عشرات القصص القصيرة والروايات باللغة الصينية. نُشرت روايته الأولى «هبوط المطر في ليلة الربيع» عام 1981، وآخر الترجمات الصادرة له بالفرنسية «قانون الكارما القاسي»، التي يعود فيها إلى صين ماو كما إلى فترة الإصلاح الزراعي. وقد تُرجم الكثير من رواياته إلى الإنكليزية من غولدبلات هوارد، أستاذ اللغات الشرق آسيوية والآداب في جامعة نوتردام.أما العربية فلم يُترجم أي من أعماله إليها حتى الآن، أمر يؤكد أن إحدى إيجابيات الثقافة الغربية والجوائز أنها تلقي الضوء على ثقافات الشعوب فتدفع المهتمين بالثقافة إلى الاندفاع والترجمة. والثقافة الصينية ربما ستظل مهمشة لولا لجوء بعض المهتمين في الثقافة الغربية إلى الاهتمام بها، فالمستشرقون مثلاً يشبهون الأدب الصيني بغابة عذراء يتوقف المثقفون الغربيون عند أطرافها من غير أن يجرؤ أشجعهم على اقتحام أعماقها. هنا نسأل: ألم يتمحور معظم الدراسات والأبحاث حول مختارات من الشعر والمسرح والقص الغرائبي؟ على أن معظم الأدب الصيني يأتينا نحن العرب من الغرب، بدءاً من غاو كيسنغيان وصولاً إلى الروائية وي هيوي (صاحبة «شنغهاي بيبي») وحتى ليونغ تشانغ وروايته «بجعات برية»، وأخيراً مو يان.من مشاهير نوبلنجيب محفوظ إنجاز عربي يتيميبقى الكاتب المصري نجيب محفوظ صاحب الإنجاز العربي اليتيم في هذا المجال، حيث حاز جائزة «نوبل الآداب» في عام 1988 تقديراً لمعالجته الفنية للمسائل الوجودية، وهو توفي في القاهرة عن سن تناهز 94 عاماً سنة 2006. نجيب محفوظ الذي نال نوبل في مرحلة تضج بالسياسيات قيل الكثير في شأنه على عادة بعض الأقلام العربية المهووسة بلعبة المؤامرة والتخوين... ولم تقف الأمور عند هذا الحد فأحد المتطرفين طعن أديب نوبل بعنقه بسبب أدبه وبسبب الجائزة ومواقفه، فكاد صاحب «الثلاثية» أن يقتل في خضم موجات التطرف وحملة السيوف في وجه الكلمات.أما الشاعر السوري أدونيس فيبدو المرشح الدائم لهذه الجائزة، وبات وضع اسمه في قائمة الترشيحات للجائزة أشبه بوسيلة تعذيب له، فمع كل موسم تبدأ المقالات تباعاً عن ثقافة أدونيس في السلب وفي الإيجاب، ومعظم خصومه ومريديه يحفر في ماضيه وحاضره وسياساته ومواقفه لتحذير لجنة نوبل من التعاون معه. هل ثمة في الغرب شخص مثل أدونيس مرشح دائم لنوبل ولديه من الخصوم ومن المريدين ما يكفي؟ وهل ثمة شاعر في العالم يصرح عن هذه الجائزة مثلما يفعل أدونيس؟ماريو برغاس يوسافي عام 2010 حصل الكاتب البيروفي بارغاس يوسا على جائزة «نوبل الآداب»، بعدما كان صرح بأنه يئس من الحصول على هذه الجائزة، حيث خف تداول اسمه في السنوات الأخيرة. وقد حصدها يوسا لقدرته على التصوير البالغ العمق لمقاومة الفرد وثورته وهزيمته. وثمة من علق على فوزه بأنه أقرب إلى «تكريم المكرم».الكاتب التركي أورهان باموكفاز بالجائزة في عام 2006، وقد اشتهر الكاتب ذو الستين عاماً بمواقفه المساندة للأرمن في تركيا، وقد حصد الجائزة لمزاوجته بين أسلوب الرواية الأوروبية المعاصرة وأسلوب الحكي الميثولوجي الشرقي. واللافت أن روايات مواطنته أليف شافاق تخطت روايته في المبيع رغم أنه نال «نوبل الآداب».عازفة البيانو- النمساوية ألفريده يلنيكحصلت النمساوية ألفريده يلنيك على النوبل عام 2004، وعللت الأكاديمية السويدية اختيارها لكون أعمالها (أشهرها «عازفة البيانو») تتميز بالحماسة اللغوية غير المألوفة، وقد استقال أحد أعضاء الأكاديمية احتجاجاً على منحها الجائزة.الأديب الألماني غونتر غراسحاز غراس جائزة «نوبل الآداب» عام 1999، وبعد قصيدته التي انتقد فيها سياسة إسرائيل طلب البعض من الأكاديمية السويدية تجريده منها، فرفضت على اعتبار أن جائزة نوبل لا تُسترد.الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغوالكاتب البرتغالي الوحيد الذي حاز هذه الجائزة وكان ذلك عام 1998. تتميز أعمال ساراماغو باستعراض أحداث تاريخية من وجهة نظر مختلفة تتمركز حول العنصر الإنساني وهي أكثر الروايات التي تتحدث عن مأزق العصر بعد الحداثة. توفي في 18 يونيو 2010.غابرييل غارسيا ماركيزتمرّ اليوم ثلاثون سنة على حصول الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز على «نوبل الآداب»، تقديراً لأعماله الإبداعية التي تميزت بما يعرف بالواقعية السحرية، لا سيما «مئة عام من العزلة». يبلغ ماركيز اليوم 85 عاماً، وتضاربت المعلومات أخيراً عن صحته الجسدية فثمة من قال إنه أصيب بالخرف وثمة من تحدث عن صعوبة يواجهها في إنجاز الجزء الثاني من سيرته.الألماني إلياس كانيتيحصل الكاتب الألماني إلياس كانيتي على الجائزة عام 1981 تقديراً لرؤيته الثاقبة وغنى أفكاره وقوته الإبداعية. توفي في سويسرا في 14 أغسطس 1994. واليوم في خضم الثورات العربية تسلط الأضواء على كتابه الرائد «الحشد والسلطان».معلوماتتُمنح جائزة «نوبل الآداب» سنوياً منذ عام 1901 إلى «مؤلف من أي بلد أنتج أفضل عمل في مجال الآداب بطريقة مثالية»، على حد تعبير الفرد نوبل الذي تمنح الجائزة على اسمه، وتبلغ قيمتها المادية عشرة ملايين كرونة سويدية (1.4 مليون دولار).منحت الجائزة للمرة الأولى في مجال الآداب عام 1901 للشاعر والفيلسوف الفرنسي رينيه آرماد، وترشح لها هذا العام 210 مرشحين، من بينهم 46 اسماً جديداً.رفض الجائزة الكاتب والشاعر الروسي بوريس باستيرناك عام 1958، والكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر عام 1964.في ما يلي أسماء الفائزين بها في السنوات الخمس عشرة الأخيرة:- 2012: مو يان (الصين).- 2011: توماس ترانسترومر (السويد).- 2010: ماريو فارغاس يوسا (البيرو).- 2009: هيرتا مولر (ألمانيا).- 2008: جان ماري غوستاف لو كليزيو (فرنسا).- 2007: دوريس ليسينغ (بريطانيا).- 2006: اورهان باموك (تركيا).- 2005: هارولد بنتر (بريطانيا).- 2004: الفريدي يلينيك (النمسا).- 2003: جون ماكسويل كوتزي (جنوب أفريقيا).- 2002: ايمري كرتيس (المجر).- 2001: في.اس. نايبول (بريطانيا).- 2000: غاو سينجيان (فرنسا).- 1999: غوتنر غراس (المانيا).- 1998: جوزيه ساراماغو (البرتغال).
توابل - ثقافات
مو يان حصد «نوبل الآداب» 2012
12-10-2012