من لا يقرأ التاريخ ولا يعرفه يتيه في الحاضر وتختلط عليه الأمور وتتداخل عنده الاتجاهات، وأسوأ السياسيين والقادة هم الأميون تاريخياً، فالجغرافيا باقية لا تزيد ولا تنقص لكنها تتجزأ وتنقسم وفقاً للأحداث التاريخية التي هي صراع مصالح وامتدادات نفوذ واقتتال على المجالات الحيوية، وأهمها المياه والمصادر الطبيعية وتزاحم على المواقع الهامة والاستراتيجية، فمنطقة الشرق الأوسط هذه بقي موقعها الجغرافي يعرضها لكل تلك الموجات المتلاحقة من الغزو والاحتلالات منذ فجر التاريخ وحتى هذه اللحظة، وبالتأكيد الى الأبد.
الآن وبينما يجري في سورية كل هذا الذي يجري نغرق، أو يغرق بعضنا بل يغرق القادة السوريون أنفسهم ومعهم أيضاً بعض القادة العرب وبعض قادة الإقليم، في الجزئيات وفي القضايا الصغيرة، فتتحول مشكلة إقليمية ودولية بكل هذا الحجم وبكل هذه الخطورة إلى أحداث يومية ينهمك متابعوها في إحصاء أعداد القتلى والجرحى والفارين بجلودهم إلى الخارج، وينشغلون في جدل "بيزنطي" حول مدى ما تسيطر عليه المعارضة من مناطق ومدن وما تحتفظ به الحكومة من نفوذ في ما تبقى من هذه المناطق.وكل هذا بينما مشكلة سورية تكمن في موقعها سواء عندما كانت، بامتداداتها الطبيعية، تشمل بالإضافة الى هذه الدولة القائمة الآن، التي هي مثلها مثل غيرها من إنتاج "سايكس-بيكو" وما انتهت إليه الحرب العالمية الأولى من ظهور دولٍ جديدة واختفاء دولٍ قديمة، المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية اللبنانية وفلسطين، وفوق كل هذا جزيرة قبرص التي أعطاها أنطون سعادة اسم "نجمة الهلال الخصيب"، وعندما تحولت الى دولة قُطْرية بالحدود الحالية.فالمسألة الحقيقية التي أشار اليها الكاتب البريطاني باتريك سيل في كتابه "الصراع على سورية"، الذي ظهر في منتصف ستينيات القرن الماضي، هي مشكلة جغرافيا هذا البلد الواقع في أخطر منطقة حساسة بين الشرق والغرب والمحادد لتركيا الدولة العضو في حلف الأطلسي والمواجه لإسرائيل في أهم وأخطر جبهة عسكرية وسياسية والمحتضن للبنان الذي يعتبر نقطة المراقبة الشرق أوسطية الأساسية والمتاخم للدول النفطيّة ولهذا فإنه، أي هذا البلد، قد شهد كل هذه الانقلابات العسكرية التي شهدها منذ انقلاب حسني الزعيم في عام 1949 وحتى انقلاب حافظ الأسد في عام 1970.وهنا فإن الخطأ الرئيسي الذي ارتكبه بشار الأسد هو أنه في انحيازه إلى إيران قد عزل سورية عن محيطها العربي، وأضعف دورها في المنطقة ولم يستطع الحفاظ على سياسة التوازن التي انتهجها والده في المعادلة الإقليمية الشرق أوسطية وفي المعادلة الدولية ثم ولأنه، ولعدم إدراكه لحقيقة ما يجري في بلده وما يجري حوله وما يجري في المنطقة والعالم كله، فإنه لم يستطع استيعاب حادثة درعا المعروفة في مارس العام الماضي، ثم إن المفترض عندما تحتل سورية هذا الموقع الجغرافي الذي تحتله أن تبتعد قيادتها عن الطيش والمغامرات وعن التصرفات الداخلية والخارجية غير المحسوبة العواقب، وحقيقة فإن مشكلة بشار الأسد أنه ربما لا يعرف هذه الأمور كلها ولم يدرك أنه باتباعه أسلوب العنف الأهوج مع شعبه منذ اللحظة الأولى قد استدرج كل ذئاب الأرض إلى بلده!
أخر كلام
أخطاء بشار الفادحة!
27-08-2012