في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الخميس الماضي رفع مشروع مرسوم حل مجلس 2009 الذي أعادته المحكمة الدستورية في حكمها الصادر في 20 يونيو الماضي بعد إبطالها لمجلس 2012 لوجود عيب إجرائي شاب مرسوم حل مجلس 2009 تتجه الأنظار إلى الخطوة التي ستعقب اعتماد مرسوم حل مجلس 2009 من سمو الأمير والدعوة لانتخابات جديدة خلال شهرين بأي نظام انتخابي، هل بذات نظام الخمس دوائر وأربع أصوات الذي رفضت المحكمة الدستورية في 25 من سبتمبر الماضي الحكم بعدم دستوريته لأن من يحدد الدوائر والأصوات هو المشرع وحده أم أن النية الحكومية تتجه إلى إصدار مرسوم ضرورة لتعديل قانون الانتخاب بالإبقاء على الدوائر الخمس وتعديل عدد الأصوات الأربعة الواردة بالقانون إلى صوتين أو صوت واحد.

Ad

وقد تستند الحكومة في نيتها إلى تعديل عدد الأصوات أو الدوائر إلى أنها في فترة حل مجلس الأمة تمارس الصلاحيات التشريعية إلى أن يستعيد المجلس مرة أخرى صلاحياته بعد إجراء انتخابات يدعى اليها خلال شهرين من صدور مرسوم الحل، وذلك وفق نص المادة 71 من الدستور والتي تكفل للسلطة التنفيذية إصدار مراسيم الضرورة في حالة غياب المجلس بحله أو ما بين أدوار الانعقاد.

وتنص المادة 71 من الدستور على الآتي «إذا حدث في ما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون على ألا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية، ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك. أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر.

تساؤلات

وتثور التساؤلات حول قانونية الخطوة الحكومية غير المستبعدة بلجوئها إلى إصدار مرسوم للضروة لتعديل قانون الدوائر الخمس، وتخفيض عدد الأصوات الصادرة ومدى رقابة القضاء الدستوري بالطعن عليها لانتفاء حالة الضرورة ومدى مراقبة القضاء الدستوري أو العادي لحالة الضرورة التي تبرر المراسيم التي تصدرها السلطة التنفيذية وفق نص المادة 71 من الدستور.

وبالرجوع إلى نص المادة 71 من الدستور فقد حددت المادة مواعيد معينة لإصدار مراسيم الضرورة متمثلة في غياب المجلس أثناء فترة حله، أو في ما بين أدوار الانعقاد، بينما أشارت إلى أن السبب في إصدار تلك المراسيم هو توافر الضرورة على أن تعرض تلك المراسيم الصادرة وفق «الضرورة» على المجلس في أول جلسة لانعقاده، وبالتالي فإن تحديد أمر الضرورة القصوى أو الطارئة أمر تقدره السلطة التنفيذية وحدها وتعد نافذة من وقت صدورها بينما سريان هذه القوانين فمرده مجلس الأمة إما يقرها وهو بذلك يكون قد أقر حالة الضرورة الملجئة لها أو أن يرفضها فيرفض حالة الضرورة وبالتالي فإن من يقدر توافر الضرورة في المراسيم هو المجلس وليس للقضاء أي سلطان بالرقابة عليها.

وتأييدا لذلك فقد ذهبت لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية في حكمها الصادر بتاريخ 28 يونيو 1982 في الطعن رقم 2 لسنة 82 في حيثيات حكمها بالطعن على الأمر الأميري بالقانون رقم 62 لسنة 1976 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء أن «المرسوم الأميري الصادر في 29 اغسطس 1976 بتنقيح الدستور قد أورد بمادته الثالثة ما يفيد أن الأصل في صدور القوانين أن تصدر بمراسيم أميرية إلا أنه عند الضرورة يجوز إصدارها بأوامر أميرية، ولا مشاحة ان تقدير حالة الضرورة هنا مرده للأمير وحده يقدرها حسب الظروف والملابسات القائمة في كل حالة على حدة، ذلك أنه كان متطلبا بالنسبة للتشريعات التي تصدر أثناء قيام الحالة النيابية وفق أحكام المادة 71 من الدستور أن تعرض هذه التشريعات على مجلس الأمة ليمارس سلطاته في الرقابة عليها باستظهار مدى توافر الشروط المطلوبة فيها ومنها حالة الضرورة الملجئة لإصداره، إلا أن التشريعات التي تصدر في غياب الحياة النيابية هي في الواقع قوانين قائمة بذاتها ونافذة من تاريخ صدورها إذ انها صدرت بطريقة خاصة من سلطة فعلية عليا ممثلة في أمير البلاد انعقدت لها السلطة التشريعية دون أن يتأسس ذلك على المادة 71 من الدستور والتي لا تسري ولا يتأتى إعمالها إلا عند قيام الحياة النيابية ومن البداهة الا تكون القواعد التي تسنها السلطة في الأحوال الاستثنائية على غرار القواعد المسنونة في الظروف العادية، كما لا يمكن تطبيقها بالصورة والأسلوب الذي يجري به وضع القواعد القانونية في الأوقات العادية، اما حالة الضرورة الموجهة للتشريع الاستثناني فهو شرط سياسي لا قانوني وهي بذلك تدخل في نطاق العمل السياسي الذي ينفرد به رئيس الدولة بتقديره، وإذا كانت الرقابة على العمل السياسي متروكة أصلا للسلطة التشريعية دون القضائية في الأحوال العادية، ولا تدخل فيها الحالة المطروحة إلا أن القانون المطعون فيه أعرض على مجلس الأمة فأقره فإنما يكون قد أقر أيضا حالة الضرورة المبررة لإصداره، يضاف إلى كل ذلك أن الأمر الأميري موضوع الطعن قد صدر في 5/9/1976 أي في الوقت الذي لم يكن مجلس الوزراء قائما مما يجعل الضرورة بإصدارالتشريع أمرا يعود تقديره للأمير وحده وبالاداة التي يراها.

دستورية الأمر الأميري

ويستفاد من ذلك الحكم الدستوري أن لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية أكدت دستورية الأمر الأميري بالقانون لان مجلس الأمة أقره لتوافر حالة الضرورة، علاوة على تأكيد المحكمة الدستورية أن من يقدر حالة الضرورة من عدمها تجسيدا لنص المادة 71 من الدستور هو مجلس الأمة فإن أقر مراسيم الضرورة أقر معها حالة الضرورة، كما أكد الحكم على خروج رقابة المحكمة الدستورية في النظر في أمر توافر مسألة الضرورة من عدمها، معتبرا إياها أنها مسألة سياسية يقدر توافرها من عدمها مجلس الأمة وحده.

ليس ذلك فحسب بل أن المحكمة الدستورية في حكمها الصادر في طلب التفسير الذي نظرته المحكمة رقم 8 لسنة 2004 والصادر بتاريخ 9/10/2006 بشأن تفسير المادتين رقم 100 و101 من الدستور أكدت على الآتي «ولا ريب في هذا المقام أن هذا التعاون اكثر ما يكون ظهورا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فللسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين، والحق في التصديق عليها وإصدارها وفق المادة 65 وحق إصدار مراسيم لها قوة القانون في حالة الضرورة وفق المادة 71 وإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين وفق المادة 72 وحق دعوة مجلس الأمة للانعقاد وفق المادة 80 وفض دورته وفق المادة 89 وحق حل مجلس الأمة وفق المادة 107، وفي المقابل للسلطة التشريعية حق الرقابة على أعمال الحكومة وتصرفاتها» وهو ما يعني تأكيد الحكم الدستوري ان للسلطة التنفيذية الحق في إصدار مراسيم الضرورة التي لها قوة القانون وفي المقابل حق السلطة التشريعية بالرقابة عليها، وهو تأكيد آخر على خروج أمر الرقابة على مراسيم الضروة من سلطة القضاء الدستوري أو العادي.

مخالفة القيود الإجرائية

وأوضحت الدراسة انه كما أكدت المحكمة الدستورية في الطعنين رقمي  6 و30 المقامين من المرشحــــــة صفـــــــاء الهاشم الصــــــــادر بتـــاريخ 20 /6/2012 من هذا العام واللذين انتهت فيهما المحكمة الدستورية إلى إبطال مجلس 2012 ومن أعلن فوزهم بالانتخابات لبطلان مرسوم حل مجلس 2009 على الآتي «الواضح من نعي الطاعنة في هذا الشق من طلبها أن نطاقه قد اقتصر على الإجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية في حل مجلس الأمة، وكذا في دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة، قولاً من الطاعنة فإن هذه الإجراءات والتي مهدت إلى هذه الانتخابات قد خالفت القيود الإجرائية المنصوص عليها في الدستور.

وفي هذا النطاق وحده ينحصر نعيها في هذا الشق من طلبها، ولا يتعداه إلى البحث في الملاءمات أو التغلغل في بواعث إصدار هذين المرسومين، أو التدخل في الولاية المنفردة للسلطة التنفيذية والتي لا تخول للقضاء الحلول محلها فيما قصره الدستور عليها، وبذلك أكدت المحكمة الدستورية في حكم حديث لها أنها لا تتغلغل في بواعث إصدار المراسيم المتعلقة في ما بين السلطتين لتؤكد أن اختصاصها فقط ينصب على الإجراءات اللازمة لصحة تلك المراسيم فقط وأن البواعث والأسباب التي تتضمنها المراسيم ومنها بالتأكيد البحث في توافر أمر الضرورة من عدمها لا يدخل في اختصاص القضاء الدستوري، كما أكدت المحكمة أن رقابتها شاملة للعملية الانتخابية وتمتد لسلامة كل الإجراءات التي تخصها ولذلك فإن كل ما يشترط لأن تكون مراسيم الضرورة المتعلقة بتعديل النظام الانتخابي مستوفية الإجراءات الشكلية لإصدارها وهي غياب مجلس الأمة في حالة الحل وان ترفع من حكومة سليمة وتصدر بمرسوم أميري، وفي ما عدا ذلك لا تمتد له رقابة المحكمة الدستورية نحو مدى توافر حالة الضرورة من عدمها أو أن الصوت أو الاربعة أصوات من اختصاص مجلس الأمة وحده لأن الحكومة عند حل المجلس أصبحت هي من تمارس دور المشرع.

واختتمت الدراسة، ومن كل ما تقدم فإن للحكومة الحق وفق نص المادة 71 من الدستور إصدار مراسيم الضرورة وهي من تقدر توافرها، والرقيب عليها هو مجلس الأمة وحده دون القضاء الدستوري أو العادي، فموافقة مجلس الأمة عليها يكون بذلك قد قدر توافر حالة الضرورة أو أن يرفضها، وهو يكون بذلك رافضا حالة الضرورة وتعتبر القوانين كأن لم تكون ولا ترتب أية آثار، إلا إذا قرر المجلس الإبقاء على الآثار التي تركتها تلك المراسيم بحسب الفقرة الأخيرة من المادة 71 من الدستور التي أكدت على جواز أن يبقي المجلس الآثار مع رفضه لمراسيم الضرورة فتصح تلك الآثار بنصها على النحو التالي «إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر»

وهو الحال الذي قد ينطبق على الإعلان عن نتائج الانتخابات المقبلة في ما يخص من تم الإعلان عن فوزهم من النواب لعضوية مجلس الأمة إذا ما أقدمت الحكومة بمرسوم ضرورة على تعديل المادة الثانية من قانون الإنتخاب الخاصة بالأصوات الاربعة، لاسيما وأن التعديل لا يخالف الدستور بحسب حكم المحكمة الدستورية في الطعن رقم 26 لسنة 2012 الصادر في 25/9/2012، علاوة على تأكيد المحكمة ذاتها بأن رقابتها تنحسر في النظر في موضوع الأصوات.