توفي الكاتب والناقد والمؤلف المسرحي الأميركي غور فيدال عن 86 عاماً، في منزله في هوليوود متأثراً بمضاعفات للالتهاب الرئوي. تنوعت مؤلفات فيدال بين التاريخية والروائية، فأصدر 24 رواية وخمس مسرحيات وأعمالاً سينمائية عدة وأكثر من 200 مقال، إضافة إلى الكتب التاريخية التي تركز على الولايات المتحدة والشخصيات العامة بها.
إحدى ميزات الولايات المتحدة الأميركية أنها بلد كل شيء، فأشد خصوم السياسية الأميركية هم من كتابها وسينمائييها، ونذكر هنا الروائي فيليب روث والسينمائي مايكل مان وعالم الألسنيات نعوم تشومسكي، وإدوارد سعيد. نصل إلى بيت القصيد، الروائي غور فيدال الذي خاض بحر الكتابة في التاسعة عشرة من العمر، وكان أديباً متنوع المواهب والاهتمامات على نحو لافت ويكاد يكون آخر الكتاب المعروفين الذين قاتلوا في الحرب العالمية الثانية.بعدما قرر فيدال أن يعيش من قلمه وهو لم يزل في العشرين من العمر، كتب مسرحيات للتلفزيون وبرودواي من بينها عمله الكلاسيكي «أفضل الرجال». وعدا عن مواقفه الشرسة تجاه الإدارة الأميركية كان مغروراً فهو يقول: «حقيقتي تطابق مظهري تماماً... ليس في داخلي شخص ودود أو محب. في داخلي كياني البارد، إذا كسرت هذا الثلج، ستجد مياهاً مثلجة». وكان معروفاً بدماثته وطرافته، كما تتبدى في قوله «كلما ينجح صديق أموت قليلاً». واشتهر أيضاً بمقالاته الناقدة بحدة للمجتمع والأدب والسياسة. وكان يتحمس لما يعتقد أنه «موت الإمبراطورية الأميركية».العربيةقرأنا أربعة كتب لغور فيدال بالعربية، وهي رواية «جوليان» عن دار «المدى» بترجمة أسامة منزلجي، وتتناول سيرة صبي مغمور وصل إلى قمة السلطة الإمبراطورية الرومانية، لكنها تكشف عن الوجوه المختلفة للصراعات الدامية في داخل الإمبراطورية التي توسعت شرقاً، وكان على الإمبراطور جوليان أن يقود المعارك العسكرية ويدير الصراعات السياسية التي تطحن الصغار والكبار، كتبها غورفيدال بتشويق ومزاوجة بارعة بين الفن والتاريخ. وكتب غور فيدال في تقديم الرواية: «على رغم أني شخصياً لا آبه بالروايات التاريخية بحدِّ ذاتها (إنني مُلزَمٌ بقراءةِ التاريخ كي أكتبَ قصصاً تقعُ أحداثها في الماضي)، إلاّ أنَّ ما جذَبَني إلى تأليف كتابي «بحثاً عن ملك» أنها بدَتْ لي قصّةُ حبٍ تتَّسِمُ بسحرٍ طاغٍ. وقد جعلتُ عن قصد إعادةَ خلقي لحكاية بلونديل وريتشارد قلب الأسد أقربَ إلى القصيدة الغنائيّة منها إلى التأريخ. ومن ناحيةٍ أخرى، استغرقَت كتابة «جوليان» سنوات عدة ووصفي لكيفيّةِ اختراع، بمعنى من المعاني، المسيحية بسلسلةٍ من المجامع الكنسيّة في القرن الرابع الميلادي كان قائماً على أساس دراسةٍ شاملة للمنبع الأوليّ. وبما أني لم أكن يوماً متحمّساً للتوحيد، كان الإمبراطور المرتدّ هو البطل الروائي المثالي. وقد دُهِشَ ناشري لرواج الكتاب وبقائهِ يُقرَأ بمُعظَم اللغات. ببساطة، ما أثارَ اهتمامَ الناس ليسَ فقط جوليان بل عصره أيضاً».ويبدو أن منزلجي هو أحد أكثر المترجمين العرب المتحمسين لأدب فيدال فقد ترجم له «المدينة والعمود»، رواية إباحية كتبها في عام 1948، وكان آنذاك مساعداً أول في الجيش وفي العشرين من عمره. ذكر فيدال أنه عند إعطائه مخطوط الرواية إلى ناشره في نيويورك كرهها، وقال له محرّرٌ عجوز: «لن تجد من يسامحك على هذا الكتاب». وفي العاشر من يناير 1948 كان من دواعي حزن جد غور فيدال أن روايته هذه «المدينة والعمود» قد نشرت، وكانت الصدمة كما قال فيدال هي أمتع ما أثير في الصحافة. كيف تجرأ الشاب الذي يكتب عن الحرب على الكتابة بهذه الطريقة؟ وفي غضون أسبوع أو اثنين أصبح الكتاب على قائمة المبيعات في الولايات المتحدة. وقد علق عليه الناشر الإنكليزي جون ليمان بقوله: «ثمة فقرات في «المدينة والعمود» وهو كتاب حزين، ويكاد يكون مأساوياً وإنجازاً رائعاً في مجال صعب بالنسبة إلى شاب صغير غض، بدت للباعة الجوالين وللطابعين متمادية في الصراحة. وفي أبريل 1993، وفي جامعة نيويورك في أولباني قرأ عدد من الأكاديميين حفنة من الأطروحات حول «المدينة والعمود» الذي ما زال يُطبع منذ نحو نصف قرن، وهو أمر لم يكن الكاتب يعتقده في عام 1948، حين رفضت صحيفة «نيويورك تايمز» أن تستعرضه أو تستعرض أي كتاب للمؤلف على مدى السنوات الست التالية.فصل الراحةصدرت رواية «فصل الراحة» عن دار «علاء الدين» بتوقيع منزلجي أيضاً، تجري أحداثها في النصف الأول من القرن العشرين في المجتمع الأميركي، فترصد مظاهر الانحلال المثيرة وتعفن العالم الجديد المتسارع، وتنتقد القيم الغربية التي لا يسمح الغربيون لأنفسهم التفكير فيها، أكثر من التفكير في الموت، كمكان من اللاوعي المغمور بالسكينة. ونتلمس بين السطور دعوة إلى التصدي للحرب والداعين إليها، لأن البشرية وحضارتها لن تستمر إذا تواصل هذا الخراب.تدور الرواية في حلقات الكراهية وتنحي باللائمة على شخص بعينه فحسب يدعى شارلوت. ويبرز الرجل في الرواية كضحية سواء كان زوجاً أو ابناً. أما المرأة فهي وإن نجحت في ما ينجح به الرجال عادة، وهو السياسة، إلا أنها تشعر بالتناقض والحيرة إزاء نجاحها. ذلك كله تم رصده ضمن عصر انحطاط عم القارة الأوروبية والأميركية، انحطاط شمل المبادئ والقيم والأخلاق. حتى إن الكاتب سمح لنفسه أن يبرز الشذوذ بين بيل وصديقه جيمي ويصوره على أنه عالم ساحر. لم يكتب فيدال الرواية فحسب بل أصدر الكتب التي تتضمن مواقف سياسية مثل كتابه «حرب دائمة من أجل سلام دائم: كيف أصبحنا مكروهين إلى هذا الحد» الصادر عن «المركز الثقافي العربي» في بيروت، وتختصر مقدمته كل ما يمكن أن يُقال حول الواقع المأساوي الذي يعيشه العالم في ظل سياسة الولايات المتحدة الأميركية.
توابل - ثقافات
غور فيدال... أميركي ضد أميركا!
05-08-2012