لاشك أن الجميع يشعر بالأسى لأن تحكيما دوليا أوقع الكويت في عقوبة مالية تصل الى اكثر من 2.16 مليار دولار بسبب الغاء مشرع "ك-داو" الذي كان مقررا ان يكون مناصفة بين الكويت وشركة داو كيميكال الاميركية، وهو ما ليس فيه أي مصلحة للمواطن فيها. واصرت "داو" على طلبها من المحكمين ان تدفع الكويت خلال موعد اقصاه نهاية العام مع الاخذ بعين الاعتبار ان هناك مصالح مازالت مشتركة بين الجانبين!

Ad

والكل يعلم ان "داو" بأمس الحاجة الى المال "الكاش"، وان لديها برنامج تقشف وقد قامت بتسريح الكثير من العاملين لديها، لان لديها حاجة الى المال اكثر من اي وقت مضى.

كما ان الشركة لا تتبع دولة بل هي مملوكة لعدة اشخاص ومساهمين وترغب بادخال مبلغ الغرامة ضمن ميزانية 2012 كايرادات لتحسين ميزانيتها، ومن الصعب ان تتراجع "داو" عن هذه المبالغ. والطرف الذي من المطلوب ان يسعى الى التسوية هو الكويت.

ولايزال البعض يرى ان المجال لا يزال مفتوحا لو تم التفاوض من خلال الحصول على بعض مصانعها الموجودة اذ ان "داو" ستقوم ببيعها في المستقبل لانها ليست على خريطة الخطة الاستراتيجية لديها لوجود توجه لديها نحو البتروكيماويات المتخصصة علما ان هناك علاقة ومشاركات مستمرة بين "داو" والكويت. اذاً ما الذي يمنع التفاوض لتفادي الدفع؟

ويرى بعض المراقبين ضرورة انتهاز فرصة العلاقة المميزة بين الكويت و"داو"، اضافة الى العلاقة الجيدة لوزير النفط الحالي هاني حسين معها، وضرورة الاخذ بعين الاعتبار ان "داو" تفضل الدخول في "صفقة بيع" لتسوية الخلاف على طرح بعض اصولها في السوق. وبذلك يتم حل الاشكال وارجاع المياه الى مجاريها.

ويجب التركيز على ان "داو" تتوقع من الكويت حل مشكلة الغاز بين "ايكويت" وبين مؤسسة البترول، اذ ان هناك مبالغ معلقة وتحتاج الى تسوية، كما ان الصورة لم تتضح حول مشروع الاولفينات الثالث، ويبزر هنا تساؤل: هل ستكون "داو" ضمن الشركات مع وجود كل هذه العناصر لحل نزاع الطرفين.

كل هذه الامور تحتاج الى مبادرة من وزير النفط  لحل مشكلة "داو" بعيدا عن التوتر والتشنج، ويرى البعض ان الامر يتطلب ايجاد "وسيط محايد" من اصحاب الكفاءة النفطية، وهم كثر وتركوا القطاع ولديهم دراية ومعرفة في كيفية التعامل مع هذه القضايا.

موقف أقوى... ولكن

ومن جهة اخرى، شكك بعض المصادر بالقدرة التفاوضية للكويت مع "داو" مباشرة، حيث لم يتم استغلال الموقف الكويتي الاقوى لان مصالحها مرتبطة بالكويت، اذ تمتلك افضل مشاركة مع الكويت وافضل الارباح منها واذا لم يتم استغلال هذه النقطة بالتفاوض لتقليل المبلغ او حتى الدفع على اجزاء فسيتم دفع المبلغ دفعة واحدة!

واشارت مصادر الى ان آلية الدفع المناسبة في ظل الاوضاع الاقتصادية هي ان تقترض "الكيماويات البترولية" وهذا الامر سيكون اقل كلفة على المال العام من الدفع بواسطة السيولة المالية لديها او لدى مؤسسة البترول الكويتية لان فوائد القروض الحالية تصل الى 1.5 في المئة، ولكن لو تم الدفع "كاش" فستكون الخسارة مضاعفة، حيث سيتم دفع 2.16 مليار دولار، وهو مبلغ الغرامة المستحق اضافة الى 6 في المئة، وهي نسبة فوائد استثمار هذه الاموال في حال لم يدفع. وقد يصل المبلغ في تلك الحالة الى 3 مليارات دولار، مؤكدة ان افضل طريقة للدفع هو الاقتراض، وهو ما يقوم به اغلب المستثمرين حول العالم.

واستبعدت المصادر ان تقوم "داو" بحجز اصول للبتروكيماويات التابعة للكويت لانها هي بالاساس شريكة بها، مشيرة الى ان الامر يعتمد على القدرة التفاوضية للقطاع النفطي مع "داو".

حل محرم

وفي المقابل، يرى مصدر آخر ان الاقتراض سيزيد الكلفة على الكويت، خاصة بعد خفض التقييم الائتماني للكويت، مطالبا بالتفاوض مباشرة مع "داو" لكن هل هذا الاجراء والحل يعتبر "محرما" على الكويت؟

وقال المصدر ان الهيئة العامة للاستثمار لديها اسهم ممتازة في "داو" علاوة على المشاركة مع "ايكويت"، مشيرا الى ان آليات دفع الغرامة متعددة وموجودة، لكن يجب ان يكون هناك حوار مباشر حتى يتم تحديدها.

واضاف انه قد ينتج عن الحوار الدخول في شراكات جديدة معها، وقد يستغرب البعض من هذا الامر ويرون ان "داو" اصبحت عدوة للكويت بعد مطالبتها بدفع الغرامة، او بيع بعض حصص "الكيماويات البترولية" المشاركة مع "داو"، او شراء اصول "داو" في الكويت وبيعها الى شريك آخر.

وقال: "اذا لم يتم الدفع او تمت المماطلة فسيتم احتساب الفوائد المتراكمة على الكويت، اما بشأن وجود لجان لبحث القضية فان ذلك لن يجدي نفعا"، مشيرا الى ان "داو" اغلقت الباب وطالبت بدفع المبالغ لانها لم تجد عاقلا ينظر بعين الاعتبار الى اهمية الامر! ومبينا ان محاربة "داو" لن تأتي بنفع للكويت.

وعن تداعيات الأمر وانعكاسه على التعاون مع الشركات العالمية مع الكويت، قال: "إذا استمرت الكويت بنفس النهج، فمن المؤكد أن تخسر أكثر وأكثر، وهناك مشاريع كثيرة تعطلت في القطاع النفطي بسبب هذه التصرفات"، مطالباً الكويت بمراجعة ما تمت خسارته في السابق، وما تم كسبه من مشاريع إيجابية للبلد.

وأضاف أن الكويت بحاجة إلى قوانين جديدة في ما يتعلق بالمشاريع الاستراتيجية، مشيراً إلى أن الفساد لن ينتهي، ولكن يجب وضع قوانين تشجع الاستثمار الأجنبي للاستفادة من أموال الشركات الاجنبية وخبراتها والتكنولوجيا، وهو ما سيصب في مصلحة البلد.

وشدد على ضرورة تغيير منهجية التفكير في المرحلة المقبلة، موضحا أن من يؤمن بتنمية البلد من المواطنين ويبادر الى تصحيح المسار عليه أن يكون وسيلة ضغط تجاه مصلحة الأجيال القادمة، وإذا كان المواطن غير مكترث فالنتائج ستكون أكبر مستقبلا.