دول فاشلة
تم إطلاق مصطلح الدولة الفاشلة للتعامل مع بروز أشكال لكيانات سياسية لها شكل خارجي للدولة ومحتوى لبقالة أو مزرعة حيوانات، على ذمة صاحبنا جورج أورويل. مصطلح الدولة الفاشلة مازال يعاني نضجاً علمياً وضعفاً في مكوناته، فصديقنا ناعوم تشومسكي أبلغني في أحد لقاءاتي معه أن الولايات المتحدة الأميركية هي نموذج للدولة الفاشلة، وتابع تطوير تلك الفكرة في كتاب أخير له كعادته بطرح أدلة تدعم رأيه. قد يأتي ذلك صادماً للبعض. أميركا بكل ما لديها من قوة وجبروت، دولة فاشلة؟ فإن كان ذلك صحيحاً، فأين تقع دولنا العربية في مقياس الفشل؟ بل أين تقع الصومال مثلاً، وأين تقع الكونغو في ذلك المقياس؟
بالطبع هناك محاولات جادة لتطوير مقياس الفشل، وبالذات المسعى الذي يقوم به معهد السلام ومجلة السياسة الخارجية إلا أنها مازالت محاولات تتعرض للنقد، لكن لا بأس من التعامل معها، على سبيل العلم بالشيء ومحاولة تطويره. تلك الدول الفاشلة تصل في أسوأ حالاتها إلى دول مثل الكونغو والصومال وساحل العاج وسيراليون وغيرها. هي دول تتآكل من الداخل وعلى مشهد ومرأى من الجميع، فالنزاع المسلح متواصل، والمجاعة، والأوبئة، وتدفق النازحين واللاجئين لا يتوقف. وبالتالي عدم قدرة الدولة على أداء مهامها الأساسية كالتعليم والأمن والإدارة العامة للمجتمع.ربما كان النقد الذي يوجه إلى مقياس الدولة الفاشلة أهم ما فيه أن الفشل قد يتجاوز الشكل الظاهري للفشل، وفي مقابل ذلك يعاني مقياس الدولة الناجحة ذاته هو الآخر خللاً ملحوظاً، حيث يرتكز على الدخل بشكل أساسي، أي كلما زاد الدخل فذلك يعني أن الدولة ناجحة. وعندما نتحدث عن الدولة هنا فالمقصود هو الدولة بمعناها الشامل لا الحكومة فقط، وأظن أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في تصنيف الدول الفاشلة أو الناجحة بدرجاتها المختلفة بهذا الأسلوب، بل بات ضرورياً أن يرتكز القياس على درجة الأمان التي توفرها لمواطنها والتقليل من خوفه وقلقه، وهو أمر لا يتحقق ولا يأتي إلا عن طريق بث وتطبيق قيم العدالة والمساواة واحترام كرامة الإنسان، فكم عدد الدول التي تنهج هذا النهج، وأين نحن منها قرباً أو بعداً؟ السؤال مفتوح والحديث له بقية.