يوم الاثنين الموافق الثاني من يوليو الماضي، أطلقتُ مشروعاً شخصياً على صفحتيّ في "تويتر" و"فيسبوك"، عنونته بـ"مبدعون كويتيون معاصرون" حيث أبدأ صباحي كل يوم بكتابة تغريدة (140 حرفاً) تتناول مسيرة مبدع كويتي معاصر. وقد كان المحرك وراء ذلك سببان:

Ad

الأول: شعوري بارتفاع نبرة الحدث السياسي وطغيانه على جميع ما عداه في الكويت. وقدرته الفائقة على استقطاب اهتمام ومتابعة جمهور الشعب الكويتي بمختلف أطيافه، وهو ما أدى إلى انصراف هذا الجمهور عن كثير من الأنشطة الفكرية والثقافية والفنية والأدبية وغيرها.

ثانياً: الفرز الطائفي البغيض الذي نتج من انقسام أهل الوطن الواحد حيال مجريات الساحة السياسية.

لذا دار ببالي، وأنا المرتهن للحرف والكلمة، منذ ما يزيد على الثلاثة عقود، أن تكون لي "مشاركة متواضعة" فيما يجري على ساحة وطني.

ولأني مؤمن أن لا شيء يجمع الناس حول مائدته كما هو الفكر والأدب والثقافة، بدأتُ فكرة الكتابة عن "مبدعين كويتيين معاصرين"، كان لهم باع طويل لافت في مجال الإبداع، ويمثلون مشاعل نور أضاءت وتضيء سماء الوطن ومن حوله، كون الوقوف أمام إبداعهم بات ضرورياً في الفترة الحالية، للتدليل على أهمية الإبداع، وأنه يبقى مهما هبّت عواصف عابرة على أرض الوطن.

أثلج صدري كثيراً التجاوب الكبير مع المشروع، وتناقله بين الأصدقاء الذين تشكّل الثقافة همّا حقيقياً لهم، وإقدام بعضهم على تبني نشره عبر إعادة إرسال "التغريدة" اليومية لمتابعيهم، أملاً في إيصالها الى أكبر عدد من المتابعين، كما أن العديد من الرسائل بدأت تصلني بشكل يومي، لتقترح إدراج اسم في القائمة، أو للاستفسار عن مبدع بعينه، أو لاقتراح فكرة توسيع المشروع، كأن أقوم بتجميع المادة المنشورة في كتاب. ولأن منطلق المشروع، بالنسبة إلي، لم يكن إصدار كتاب، ولأن ما تتسع له أي "تغريدة" أقل بكثير من أن يفي مبدعاً حقه، لا سيما أن منْ أقوم بتناول إبداعاتهم هم قامات كبيرة، كان لها مساهماتها المشهودة على الساحة الثقافية والإبداعية الكويتية والعربية. لذا سأبقى مكتفياً بـ"التغريدة" الصباحية، وسأبقى سعيداً بالكتابة عن أساتذة وأصدقاء قدموا ويقدمون المزيد من عصارات قلوبهم لوطنهم الغالي.

إن تأملاً هادئاً في مبادرتي الشخصية، أظهر لي ضرورة انصراف البعض إلى تخصصاتهم، بعيداً عن الحدث السياسي، فكم سيغدو الأمر مختلفاً لو أن الاقتصادي والإداري والاجتماعي والطبي والتنموي والرياضي، خاض في عالمه، وكشف لنا نحن جمهور المتابعين جزءاً من أسرار عالمه، وأشركنا في معرفته، بدلاً من أن ينبري الجميع لملاحقة ذيول الحدث السياسي وجعله شغلهم الشاغل.

إن انجذاب الفئة الكبرى في أي مجتمع من المجتمعات لاهتمام بعينه، يأتي بالضرورة على حساب باقي نواحي الحياة.

فبقدر شعور أي مواطن أن العمل السياسي يخصّه ويمسّ حياته، فإن المشاركة في هذا العمل يجب ألا تبعده عن ممارسة دوره الشخصي بعمله الخاص. ويبدو جلياً انحراف المزاج العام عن النواحي الفكرية والثقافية والفنية، ودورانه مع عجلة الشأن السياسي، مما ساهم مساهمة مؤلمة في تهميش النشاط الفكري والثقافي، وهمّش دور المفكر والمبدع والمثقف.

إن طبيعة الحياة البشرية، تؤكد سطوع شمس كل يوم بضيائها، لتأخذ دورتها المعتادة، وأن الشمس في ديدنها الأزلي، تأخذ في دولاب دورانها أيام عمرنا معها. لكنها، تلك الشمس الأجمل، تصافح مياه البحر اللامعة، وتمسّد قلوب الأمهات اللهفة للقاء أحبتها، وتمرَّ على عبير الحدائق الصغيرة والكبيرة، وتحاول أن تكون رحيمة على عرَقِ عاملٍ متعب.

الوطن شمس دائرة، ومن حق أبنائه عليه، جميع أبنائه، أن يشملهم برعايته واهتمامه.