ثار جدل مؤخراً حول التقارير الدولية التي أشارت إلى أن مجموع فوائض دولة الكويت المالية خلال السنوات الست أو السبع الأخيرة قد تجاوزت الــ620 مليار دولار في ما اعتبره متخصصون وصحافيون اقتصاديون تقديراً مبالغاً فيه، وأن مجموع هذه الفوائض لا يتجاوز الــ180 ملياراً، وفي جميع الأحوال فإنني لست مهتماً كثيراً بمعرفة الرقم، لأنني في دولة مؤسسات فيها ديوان للمحاسبة وبرلمان يراقب وقضاء نزيه وعادل، ولذلك لست متخوفاً من ضياع تلك الأموال أو فقدها، لأن تجربة سرقات الاستثمارات الخارجية بعد الغزو تمت متابعتها واسترجاع معظمها.

Ad

ما يعنيني في قضية الفوائض المالية أننا خلال عقد من الزمن فشلنا في استغلال تلك الفوائض الاستغلال المناسب، فلم نشهد مطاراً جديداً أو ميناءً عظيماً أو مستشفى كبيراً بمعايير دولية، أو بنية تحتية لصناعات وخدمات توفر دخلاً بديلاً عن النفط، ولا مشروعاً مثل مترو الأنفاق يحمينا من مشاكل الازدحام والتلوث، فالأجيال الكويتية الحالية فشلت في استغلال الفوائض إلا في الاستهلاك الكمالي "المولات"، ولذلك أعوِّل كثيراً على خلق جيل جديد بثقافة وتأهيل جديدين، ولا أجده إلا في إنفاق مبالغ ضخمة جداً، ولو وصلت إلى المليارات من الدولارات، على البعثات الخارجية، لأن أجواء البلد الحالية تخلق غالباً أجيالاً متعصبة ورجعية التفكير، وجامعة الكويت بمن هو مسيطر عليها منذ ثلاثة عقود خرَّجت لنا ما نراه ونتابعه اليوم من سياسيين وقياديين معظمهم جعلونا محبطين، أملنا الوحيد في جيل جديد ينتشلنا مما نحن فيه، ولن أندم يوماً لو صرفت كل فوائضنا على إرسال أبنائنا في بعثات دراسية حول العالم، عسى أن نخرج من ثقافة التعصب والفئوية والعرقية، ونخلق جيلاً بمواصفات ثقافية وحياتية مختلفة وعصرية.

***

موضة جديدة في الديرة ضمن ثقافة الاتهام والإقصاء لدى الأغلبية المبطلة ومناصريها من كُتاب ومثقفين وناشطين وأكاديميين، وهي أن كل مَن يخالفهم في الرأي هو عنصري وطائفي، فإن لم يؤيد ويناصر المسيرات والشغب في ضاحيتي صباح الناصر والصباحية، فإن مثقفي وكُتاب وأكاديميي الأغلبية المبطلة سيتهمونه بأنه ضد القبائل، وبالتالي هو عنصري، أما إذا كان من الطائفة الشيعية فسيضيفون له تهمة جديدة "عنصري + طائفي"... المؤسف أن مَن يمارس هذه الأساليب والاتهامات بعضهم أكاديميون يدرسون لأبنائنا في الجامعات والمعاهد العليا.

***

عمليات القتل العشوائي الأخيرة في الولايات المتحدة التي كان آخرها مأساة قتل نحو 30 طفلاً وراشداً في المدرسة الابتدائية في ولاية كونتيكت، وقبلها قتل المتسوقين في "مول أوريغون" وقبلها أيضاً في سينما مدينة أرورا، كلها أحداث تؤكد وجود مشكلة اجتماعية عميقة في أميركا، أحد أوجهها الرئيسية هو التأثير الاقتصادي في تشكيل الروابط الاجتماعية للأسرة والمجتمع الأميركيين، وتفشي حالة الإحباط والغضب والحقد بسبب الأزمات الاقتصادية الحادة، والآلاف من فاقدي الوظائف والمنازل، بما يؤشر إلى تصدع نموذج الرأسمالية المتوحشة وقرب سقوطها لمصلحة بديل اقتصادي- اجتماعي جديد، كما يؤشر أيضاً إلى أزمة الحزب الجمهوري العميقة والممتدة شعبياً بسبب تبنيه للنموذج الرأسمالي التقليدي، كما أن الحزب ذاته يرفض أي تقييد لحمل السلاح الفردي في أميركا وتشريعات منع الأسلحة الأتوماتيكية الفتاكة.

***

مجدداً خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما بعيون دامعة أمام الكاميرات بعد مأساة مدرسة كونتيكت، وهي المرة الثانية بعد دموعه ليلة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ولاية أيوا، ومن كثرة ما دمعت عينا أوباما في العلن وفي النقل التلفزيوني المباشر يحق أن يطلق عليه الرئيس الباكي أو الرئيس بودمعة، ولكن الغريب أن أوباما لم تدمع عيناه في مؤتمراته الصحافية عن سورية وغزة، رغم أشلاء مئات الأطفال في حلب وحمص والشيخ مسكين التي نقلتها شاشات التلفزة حول العالم، ويبدو أن الغدد الدمعية للرئيس أوباما لا يحركها إلا الدم الأميركي ومستقبلاتها التي تعصرها لديها ميل عنصري لا ندري إن كانت أتت من جينات والده الإفريقي أم والدته الأميركية؟!