يستمر الدم السوري هادراً نتيجة إصرار الممانعين على إبقاء النظام السوري، وبأي ثمن، ومهما كانت التكلفة رغم الانحسار الواضح لسلطة النظام، وتقهقر قواته في كثير من المدن والبلدات، حتى بات كثير منها خارج سيطرته باستثناء الجو الذي يعمل من خلاله على إبادة الشعب السوري، حيث لم يترك حمّة إلا صبها عليه ولكن دون جدوى... فمن خرج من دياره حراً فلن يعود إليها عبداً، فإرادة الشعوب لا تقهر.

Ad

مهما اشتد الظمأ بالإنسان فلا يمكنه أن يعبّ نهراً أو بحيرة، لكن الممانعين استثناء، فشهيتهم المفتوحة على القتل لا يقابلها أي شكل من الارتواء بالدم، فها هو العام الثاني قد اقترب من عمر الثورة والدم السوري لا يزال يجري كالشلال على أيديهم، ومازالوا يرددون هل من مزيد؟!

لا ندري هل لأنه "أموي المنشأ" أم لأنه يتيم، وقد تخلى عن نصرته أهل الأرض قاطبة، أم أن المشروع المقاوم يبيح سفك الدماء والهتك والتدمير لضرورة تسويقه وزيادة هيبته؟ أكاد أجزم أن جهابذة الفكر وعتاة السياسة لا يمكنهم فهم هذا المشروع، إذ كيف يكون المقاوم مجرماً، والممانع لشعبه مدمراً، والسلاح للعدو مدبراً، وهل يقوى المهزوم على صنع النصر، والهشيم على تحقيق المجد، والأنقاض على بسط السلطة؟!

لا شك أن الاستبداد الطائفي هو من أشد أنواع الاستبداد، إذ تصبح الاستباحة مشروعة لديه بمجرد تعرضه للتهديد الداخلي أو حتى يخرج عليه أحد من أتباعه، فما بالك بوطن محكوم ليس بالطائفية فحسب، بل مرتبط بحلف طائفي مذهبي يحمل كل أحقاد التاريخ في كينونته، ويسعى جاهداً إلى مذهبة البشر والشجر، بل حجارة التاريخ، وما قبله إن أمكن، وتحت ستار المقاومة وتحرير القدس.

والسيد نصرالله واحد من أركان هذا المشروع، واستطاع تحقيق حضور قوي له في الشارع السوري والعربي عموماً، لكن بمذهبيته المفرطة بددها وبمواقفه غير الدينية والأخلاقية تجاه الشعب السوري وثورته المباركة التي لا تنسجم مع "ثقافة المقاومة"!

وهذا يؤكد أن هذا الحزب وكامل هلاله غير مقاوم، وما شعاراته ومهرجاناته إلا للاستهلاك والتعمية على ظاهرة المد الشيعي بالمنطقة، وإلا كيف يبدد هذا الرصيد المهم للمقاومة وتتحول البندقية من مواجهة العدو الصهيوني إلى صدور من رقصوا طرباً احتفاءً بنصر تموز (يوليو) عام 2006، بل إلى من كان يعتبره رمزاً وأملاً في تحرير الأرض وحماية العرض؟

وها هي نعوش المقاومة تصل تباعاً إلى الضاحية الجنوبية في بيروت والقادمة من مهمتها الجهادية في بلاد الشام، وعلى رأسها القائد الميداني- أبوالعباس- وهذا ما دفع حسن نصرالله إلى تحدي الشعب السوري عبر إطلالته الأخيرة قائلاً، إن حزبه لم يشارك فعليا حتى الآن في قمع الثورة، أي على غرار شبيح النظام الأول "ماهر الأسد" عندما هدد الشعب أيضا بأنه "لم يرتد البزة العسكرية بعد"!

العمق الاستراتيجي لـ"حزب الله" لم يكن يوماً الشعب العربي أو الإسلامي ولا حتى النظام السوري أو العراقي، بل بتلك الكتلة الطائفية المتحكمة بسلطة القرار، خصوصاً حزامها الأمني من تلك الطائفة، فهو العمق والأمن والضمانة.

لذلك يعتبر سقوط النطام السوري بمنزلة الضربة القاصمة لظهر "حزب الله" وليس للمقاومة ذات العمق الشعبي والوطني، ولهذا نرى الاستماتة من الهلال الشيعي لإنقاذ نظام بشار الأسد ولو على حساب مستقبل شعوبهم، ناهيك عن المشاركة العسكرية والأمنية إلى جانب النظام، صحيح أنهم استطاعوا تدمير الوطن وسفك دم أبنائه، لكنهم فشلوا في إخماد ثورته وكسر إرادته، بل زادوه إصراراً على إنجاز حلمه بالحرية والكرامة وكسر أضلاع هذا الهلال السادي النزعة، والهادف إلى مشاركة إسرائيل في السيطرة على المنطقة وتقويض الأمن القومي العربي خدمة للمد الفارسي الذي يرى في سورية البوابة الأهم لعبوره وانتشاره أوسطياً.