إعدام من رحم الطائفية

نشر في 06-05-2012
آخر تحديث 06-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 مظفّر عبدالله أول العمود:

عادة سيئة تنتشر بيننا... فبقدر كمّ الأخبار التي تنقلها تكتسب أهميتك!

***

يأتي إقرار مجلس الأمة والوزارة لعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد للمسيء للذات الإلهية والأنبياء والرسل وغيرهم من الشخصيات التي حددها التعديل، في ظل تراجع عالمي واضح في استخدام القتل. فمن بين 192 دولة أعضاء في الأمم المتحدة تطبق 57 منها فقط هذه العقوبة في قضايا مختلفة بعضها سياسي، وتتركز الإعدامات في كل من الصين وأميركا وإيران على مستوى عالمي بينما تتركز 90 في المئة من حالات الإعدام في الشرق الأوسط في الدول الأربع التالية: العراق، وإيران، والسعودية، واليمن بحسب إحصاءات منظمة العفو الدولية (2011).

وأمام تلك الموجة العالمية يأتي التشريع الكويتي ليسير عكس التيار العالمي الداعي لتقليص عقوبة القتل في حدود ضيقة، وهو من جانب يضعف من جهود تعويم آليات دعم العدالة الاجتماعية وتقوية وسائل التحاور ونبذ الكراهية، وهي مبادئ جوهرية في الشريعة الإسلامية أبادها تطرف الجماعات الإسلامية في دول عديدة بسلوكهم، وهو ذات السلوك الذي كانت ولا تزال الحكومات التسلطية تستخدمه ضد تلك الجماعات كما في مصر وليبيا، وكأننا أمام كوميديا توريث العنف والقتل.

أسجل في هذا المقال عدداً من الملاحظات على التشريع المذكور.

فأولاً، هناك مؤشر واضح على رداءة التشريع بسبب المبالغة المفرطة في العقوبة لقضية ستحمل لغطاً كبيراً في تحديد شكل الإساءة وطبيعة المسيء إن كان معتوهاً أو جاهلاً أو باحثاً علمياً، ولا أبالغ في القول بأنه سيستخدم كوقود إضافي لاحتراب طائفي بسبب إقصاء الرأي الجعفري في القانون والذي تسبب في عدم موافقة من حضر من النواب الشيعة عليه.

المسألة الثانية، تتعلق بما يسمى بكتلة الأغلبية- أرادت أم لم ترد- فهي تحاول إظهار تماسكها من خلال تشريعات لا يستطيع كثير من النواب مواجهتها بسبب الخوف من القواعد الانتخابية. هنا تذكرت موافقة كل من حضروا جلسة 22 ديسمبر 1981 والتي تم فيها تعديل قانون الجنسية الذي فرض شرط الإسلام لمنحها. (موافقة 47 وغياب 18 نائباً).

ثالثاً، ان هذا التشريع يأتي كامتداد للشحن الطائفي والمذهبي الذي ساد الانتخابات الأخيرة والذي انسحب إلى ممارسات شائنة تتم داخل البرلمان وتفتقد أدنى درجات الكياسة السياسية، وظهر للعيان الخلاف (السني- الشيعي) والطرح الفقهي بدلاً من القانوني والجنائي والدستوري في قاعة "عبدالله السالم" أثناء مناقشة القانون في مداولته الأولى والثانية.

رابعاً: فإن عقوبة بهذا التغليظ والقسوة جاءت بعد "تغريدات" في تويتر! أي أن المسألة لم تكن بحجم ظاهرة تستحق كل هذا الحشد الذي أساء للمجتمع الكويتي في الخارج لكون أننا نشرع قانوناً لأن شخصاً أو اثنين من المسلمين (وليسوا دنماركيين أو هولنديين هذه المرة) أساؤوا لعقائدنا.

خامساً، فإن الغلو في تغليظ العقوبة لم يكن له داع أبداً، فالمواد من 109 إلى 113 من قانون الجزاء فيه ما يعالج إزدراء الأديان، بمعنى أن المشرع تنبه للأمر منذ بداية عهد الدولة الدستورية، وإن كان لابد من إثبات قوة كتلة الأغلبية في المجلس فقد كان من الأنسب- لهم- الاكتفاء بزيادة سنوات الحبس.

سادساً، فقد كان من واجب نواب الأغلبية الذين اكتووا بنار "الإعلام الفاسد" أن يسارعوا بتشريع قانون للنشر الإلكتروني (تويتر وفيس بوك والصحف الإلكترونية) ويضعوا فيه عقوبات، كما هو وضع قانون المطبوعات والمرئي والمسموع رغم تحفظنا عليه. فما أثير من وصف شائن للعقائد كان في "تويتر" الذي لا يزال دون قانون ينظمه.

سابعاً، فقد أنهى هذا التعديل باستخدام أقصى العقوبات التي عرفتها البشرية أي أمل في نشر ثقافة التحاور، خصوصاً مع فئة الشباب الذين يفتقدون للثقافة الدينية ويجهلون الكثير من أساسيات الدين ما يجعلهم أحياناً يخوضون في متاهاته دون وعي وتبصر. وقد كنت ممن توقعوا أن يناظر أحد المصلحين أو العلماء هؤلاء المغردين لتوعيتهم بدلاً من الهرولة نحو الإعدام.

وأخيراً، فإنه من المؤكد أن هذا التشريع خلق نوعاً من تقسيم الرأي، فمن يؤيد هو مخلص لدينه، ومن عارض ففي إخلاصه شك. أما على صعيد الأداء الرسمي للحكومة في المحافل الدولية، فإن مما لا شك فيه أن عقوبة الإعدام قد ساهمت في إضافة عبء كبير عليها من جانب تبرير إقرارها في ظل التراجع الدولي تجاه العقوبة.

back to top