إصلاح البناء المشوّه للدولة
لا مخرج نهائياً لأزمتنا السياسية المحتدمة سوى باستكمال بناء الدولة الدستورية الديمقراطية، وهذا يتطلب التصالح أولاً مع الدستور وتطبيقه كاملاً، أي التصالح مع نظام الحكم الديمقراطي الذي تكون فيه السيادة للأمة فعلاً، خصوصاً أن النموذج المعمول به حتى الآن قد ثبت فشله الذريع المرة تلو الأخرى.
ما زلنا ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، فما كان يفترض إنجازه في منتصف ستينيات القرن الماضي، وهو تطوير نظامنا الدستوري واستكمال بناء الدولة الدستورية الديمقراطية، ما زلنا حتى هذه اللحظة نعجز عن تحقيقه... لقد بدأت المشكلة التي ما زلنا نعاني تداعياتها وآثارها ونتائجها عندما تصدت قوى متنفذة داخل النظام وخارجه لمشروع الدولة الدستورية الذي دشنه دستور 1962 لأنها ترى أن هذا المشروع سيقلص من نفوذها، وسيضر بمصالحها لأنه ينص، وبكل صراحة، على "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً".لهذا فقد وقفت هذه القوى المتحالفة وما زالت ضد استكمال بناء الدولة الدستورية الديمقراطية التي يكون فيها فصل واضح بين السلطات، ومواطنة دستورية متساوية، وعدالة اجتماعية، وحريات عامة، بل إنها انقلبت في السابق، ولأكثر من مرة حينما رأت أن الظروف السياسية مناسبة، على الدستور؛ ما ترتب عليه تعطيل الحياة البرلمانية وتهميش القوى والتيارات الوطنية الديمقراطية التي تدعو في خطابها وبرامجها السياسية إلى الدولة الوطنية الجامعة التي ينص عليها الدستور، بينما فتح الباب واسعا لقوى انتهازية وطائفية وقبلية لتسيد المشهد السياسي. أما عندما أصبح الانقلاب الصارخ على نظام الحكم الديمقراطي غير ممكن لظروف ذاتية وموضوعية فقد عملت القوى المتنفذة داخل النظام وخارجه على تشويه الحياة السياسية وتهميش الدور الرقابي للمجلس، وتفريغ الدستور من محتواه الديمقراطي، أملاً في تحويل مجلس الأمة إلى مجلس صوري مشابه لمجالس الشورى في الدول المجاورة، لهذا فقد عبثت بالدوائر الانتخابية و"فصلتها" طائفياً وقبلياً وفئوياً لتتناسب مع "مقاسات" حلفائها السياسيين المعادين بطبيعة تكوينهم وخلفياتهم الفكرية للنظام الديمقراطي، ناهيكم عن استخدام المال السياسي وتجاوز القوانين قبل الانتخابات وأثناءها من أجل تسهيل وصولهم إلى مجلس الأمة، وهو الأمر الذي ساهم في تشويه الحياة السياسية والديمقراطية وعدم تنظيمها على أسس وطنية وديمقراطية، فبدلاً من وجود ساسة محترفين يحملون همّ الوطن الجامع فقد تكاثر لدينا ممثلو الطوائف والقبائل والقوى الانتهازية و"البلوكات" التجارية الطفيلية.لهذا فبدلاً من أن يتطور نظامنا الديمقراطي نحو النظام البرلماني المكتمل والدولة الدستورية الديمقراطية فقد ظل محافظاً على الشكل التقليدي للدولة رغم وجود الدستور الذي لم يطبق كاملاً.من هذا المنطلق، فإنه لا مخرج نهائياً لأزمتنا السياسية المحتدمة سوى باستكمال بناء الدولة الدستورية الديمقراطية، وهذا يتطلب التصالح أولاً مع الدستور وتطبيقه كاملاً، أي التصالح مع نظام الحكم الديمقراطي الذي تكون فيه السيادة للأمة فعلاً، خصوصاً أن النموذج المعمول به حتى الآن قد ثبت فشله الذريع المرة تلو الأخرى.التغيير الجذري والشامل لن يحدثا تلقائياً، فقوى مقاومة التغيير لا تزال قوية، لهذا فإنه يتطلب وجود قوى سياسية وشبابية منظمة تحمل همّ الوطن الواحد الجامع فعلاً، لا شعاراً انتخابياً ومصلحياً فارغاً، وتتوافق على خارطة طريق لكيفية إنجاز متطلبات استكمال بناء الدولة الدستورية الديمقراطية التي من المستحيل أن تكون القوى الانتهازية أو الطائفية أو القبلية أو الفئوية المتمصلحة قادرة على تحقيقها لأنها، وبكل بساطة، متناقضة معها بنيوياً!