أبكيت الكويت يا سمير
أيها القلم الحزين، لا تكابر، فكلانا مكلوم، فاكسر ذلك الشموخ واسكب معي دموع حزنك على هذه الأوراق علّها تواسي إعصار الألم في داخلنا وتغسل شيئاً من هذا السواد المتراكم حولنا. فلا أدري لماذا كل هذا العناد الذي تمارسه أيها القلم حين علمت أنني أريد تبديد حبرك لكتابة هذه الأسطر في حق ذلك الإنسان الإنسان.لست وحدك أيها القلم، فحتى الأحرف لا تقوى على التشابك فيما بينها لتكتب كلمات الرثاء، والحبر ينسكب ببطء شديد يفقدني هوس الكتابة، والقهوة تكاد تختنق داخل الفنجان، والأنفاس تصارع نقص الهواء من حولها وكأنها تختلسه اختلاساً، وأمواج الخليج تتكسر بقساوة على رمال شاطئ بلدك الكويت التي عشقتها فبادلتك العشق بعد سماعها لخبر رحيلك.
ما أنت؟ ماذا قدمت؟ ما الذي أعطيت؟ ما كل هذا الحزن لأجلك يا سمير؟! لماذا يجهش ذلك العامل البسيط بالبكاء وهو يودع جنازتك؟ ولماذا تنتحب أمواج الحشود البشرية من حولك؟ وما الذي يدفع أولئك الطلبة الصغار إلى ترك مقاعد الدراسة والتوجه مشياً على الأقدام بثيابهم المدرسية لتقديم واجب العزاء لأهلك ومحبيك؟ربما أكون عرفت الإجابة عن تساؤلاتي يا "بوعلي"، فقد كنت ألعب الكرة مع ابني الصغير منذ يومين، ووجدتني لا شعورياً أصرخ "صدها سمير"! نعم أنت الذي علمتنا كيف نبكي فرحاً في صغرنا، وها أنت اليوم تعلمنا كيف نبكي ألماً وحزناً بعد أن كبرنا. أنت الذي علمتنا كيف يحترم الفارس خصمه، وأنت الذي علمتنا أن التواضع والإخلاص في العطاء يصنع لك قصوراً في قلوب الناس. أنت من علمتنا أن عمر الإنسان لايقاس بالسنين، بل الإنسان بإنسانيته هو من يجبر الأيام على استجداء وجودها ضمن صفحات قصة حياته. أنت الذي علمتنا كيف نجمع ولا نفرّق، نحب ولا نكره، نبني ولا نهدم.نم قرير العين يا "بوعلي"، فالشجرة المثمرة، وإن فقدت حياتها، يبقى ظلها الوافر عطاءً لا ينقطع وحكاية لا تنتهي وشموخاً يكاد يلامس عنان السماء.