قبلةٌ على جبين الفراق

نشر في 08-11-2012
آخر تحديث 08-11-2012 | 00:01
 مسفر الدوسري لا يضاهي عظمة الحب سوى... عظمة الفراق!

الفراق يعرّي لنا عورات أرواحنا، فنعرفها، والصالح منا من يسترها بالحب، وأنا لم أتعرف على عورات روحي منذ زمن... وهذا يقلقني.

لم يزلزلني فراقُ منذ زمن طويل... محصنا ضد أي فراق لا أدري كيف.

لا أحزن... وإن حزنت فليس كما يحب الحزن أو يستحق الفراق!

سنوات مضت.

لم يشعل الفراق في قلبي النار وأطراف أصابعي ولم تتساقط أوراق من شجرة الروح بالرغم من مرور الخريف مرات عديدة، وسقوط أوراق الشجر في الشوارع.

لم تدب الفوضى كثيراً في ممارساتي اليومية، كنت فقط أغير نوعية الموسيقى التي أسمعها والأغاني، أو مثلاً اختيار «مواضيع» القصائد من الدواوين التي أقرأها، ولكن ذلك لا يغيّر فيما أفعله عادةً شيئاً.

لم أخلف موعداً مع فنجان قهوتي منذ آخر فراق جمع دموعي في «ركوة» وضعها على الجمر لتغلي بهدوء، ثم سكبها لي في فنجانٍ خزفيّ ذات مساء على غير الوقت الذي أتناول فيه عادة فنجان قهوتي، رشفت ما في ذلك الفنجان الخزفي رشفة رشفة، ومنذ ذلك الحين قررت ألا أخلف موعداً لفنجان قهوتي الذي اعتدت عليه،

منذ ذلك الحين، لم تعد عيناي مرتعاً للغيوم الشاردة،

لم يبرق بهما منذ ذلك الحين برقٌ، ولم يلد وسمٌ ولا مطر

يمرّ بهما الفراق عابراً، لا يتسنى له الوقت حتى لشرب فنجانٍ من القهوة في ضيافتهما.

ولا وقت لديه للتعرف على ساكنيهما، ولا للاطمئنان على سلامة أطفالهما الذين ولدوا قبل حين على يديه، ولا لملاطفة الصبايا الجميلات على شرفاتهما بالقصائد.

يمر عابرا بالكاد يلقي التحية،

أحيانا يرفض حتى الانتظار لأخذ الرسائل التي تضمّنت الشفاعات له والرجاء، حتى عندما يمهل نفسه بعض الوقت في المكوث معهما، وربما كان ذلك بفعل تأنيب الضمير، كان أنيقاً ويبدو حريصاً على ألا يصيب أناقته أي خلل، أكثر من حرصه على أن يشرب معهما كوباً من الحزن... أو قطعة من آهة.

كانت عيناي تؤلفان له الأغاني والأشعار حتى قبل قدومه، ويرعيان يوميا غرفته التي اعتاد أن يبقى فيها حين يجيئهما،

وكأن الفراق سيأتي غداً حتى وإن كان لن يأتي،

تجهزان ثيابه المفضلة، وأردية سريره المفضلة، بل إنهما طالما تمنيتا وجوده عند تجهيز طعامه المفضل.

كان الفراق أليفهما،

إلّا أنه منذ سنوات لم يعد ذلك الأليف،

غريبا لم يألفاه حتى ان عطره ليس ذات العطر، أصبح أقرب لرائحة العطور النسائية الباردة التي لا تُقرأ لرداءة خطها!!

وأناقته تلك البسيطة الساحرة بتناسقها والمعبرة بصدق عن روحه تبدّلت، أصبحت مضحكة ومستفزّة تشبه ذائقة مهرّج.

منذ زمن لم يعد الفراق يغري عينيّ بكتابة القصائد له وتخبئتها تحت وسادتيهما.

أخافني ذلك جداً.

أرعبني الشك بأن مشاعري مازالت على قيد الحياة... وكذلك دموعي!

من المحزن ألا تحزن.

عندما لا تأخذ منك الحياة حالاً مثلما تعطيك فلا تزداد إلا رعباً، لأن ذلك يعني أن الحياة تُراكم لك ما تعطيك، لتأخذ ما يوازيه دفعة واحدة منك.

وأنا منذ سنين لم أحزن لفراق.

كان ذلك إلى وقتٍ قريب

back to top